لا يمكن أن تؤتمن إسرائيل، وليس أدل على ذلك من انقلابها على اتفاقية أوسلو، وكل المشروع الفلسطيني من أجل قيام دولة فلسطينية، فيما يشتد الخطر اليوم على المسجد الأقصى.
المشروع الإسرائيلي لن يكتمل الا بتنفيذ المخطط الإسرائيلي، وهناك سيناريوهات تم طرحها سابقا، وبعضها يتم تداوله مؤخرا، ومن أبرزها فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على كل الحرم القدسي، وفرض السيادة هنا يتجاوز التحكم العسكري والأمني اليوم، بل يعني الغاء الوصاية الأردنية على المسجد الأقصى، واستبدالها، بفرض السيادة الإسرائيلية لاعتبارات مختلفة ترتبط بتأكيد كل وصاية إسرائيل على مدينة القدس، وهذه السيادة يطالب بها وزراء في الحكومة الإسرائيلية الحالية، وينتظرون الوقت المناسب لتنفيذها، وحتى ذاك يتم التدرج في القصة.
يوم أمس، مثلا، اقتحم عشرات المستوطين بقيادة عضو الكنيست الإسرائيلي السابق، المتطرف يهودا غليك باحات المسجد الأقصى من جهة باب المغاربة، في أول أيام عيد الفصح اليهودي، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي، وهذه الاقتحامات لم تنخفض الا بداية حرب غزة، فيما صرح خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، إن محاولات المستوطنين لإدخال قرابين عيد الفصح اليهودي إلى المسجد الأقصى فشلت، وأن الاحتلال الإسرائيلي يستغل أعياده ومناسباته بهدف الانقضاض على المسجد الأقصى وتغيير الأمر الواقع فيه، موضحا وهذه المحاولات ليست جديدة، لكنها اشتدت العام الحالي أكثر فأكثر، لأن أصحاب القرار في الحكومة الإسرائيلية هم المتطرفون والطامعون في المسجد الأقصى ويتوهمون أن هذه الفرصة فرصتهم لتحقيق أهدافهم العدوانية.
التصريحات تؤشر على القديم والجديد، خصوصا، الاشارة نحو التيار الحاكم الآن في إسرائيل ورغبته بتنفيذ مخططه داخل المسجد الاقصى، وهو مخطط يقوم على التقاسم الزمني والمكاني، وواقع الحال يقول ان التقاسم الزمني مطبق أصلا، من خلال ساعات الاقتحام التي يتم تخصيصها للإسرائيليين، فيما التقاسم المكاني يجري جزئيا خلال التقاسم الزمني، من خلال تخصيص موقع الأقصى للإسرائيليين، للدخول والتحرك، لكن السقف الأعلى للتقاسم المكاني يرتبط بأحد احتمالين اما السطو على المساحات الفارغة داخل الحرم القدسي البالغة مساحته 144 دونما، واما عبر هدم أحد المسجدين، قبة الصخرة والقبلي، والكل يعرف ذلك.
لكن كل هذه المخططات لن تنجح إلا عبر تغيير شكل ومرجعية ونمط السيادة داخل الحرم القدسي، وهذا هو الخطر، الذي لن توقفه معاهدات السلام، ولا أي ضمانات في ظل التوحش الإسرائيلي الذي نراه سياسيا وعسكريا وأمنيا وهو توحش يتطابق مع اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي ولا يعاكسها أصلا، وهذا يعني أن كل الحرم القدسي في طريقه إلى أحد مسربين، الأول فرض السيادة الإسرائيلية بشكل كامل على الحرم والغاء أوقاف القدس التابعة للأردن، وهو أمر هدد به وزراء إسرائيليون في وقت سابق، وبعدها سيتم إجراء تغييرات خطيرة على الأقصى، واما سيقع حدث إرهابي بشكل مباغت يؤدي إلى التخريب داخل الحرم القدسي، وفرض سيناريو التقسيم المكاني والزماني بشكل يؤدي إلى تحقيق المشروع الإسرائيلي.
في تعليق يتسم بالخفة السياسية كتب احدهم ذات يوم، ان المسجد الأقصى ليس مهما، حتى لو تم هدمه فهو مجرد مبنى حجري يمكن إعادة بنائه، لان الإنسان الفلسطيني أهم من المسجد، والتعليق اشتمل على تفاصيل تتحدث عن كوارث حياة الفلسطينيين منذ عام 1948، مشيرا صاحبه إلى أنه لا يجوز تصغير كل قصة فلسطين في قصة المسجد الأقصى، منتقدا تركيز قضية فلسطين على حق الصلاة، متغافلا عن كل الدلالات الأعمق بشأن الأقصى.
ودون اتهام بشأن نوايا صاحب الكلام، إلا أن الرد سهل، فالأقصى بنظر الإسرائيليين هو درة التاج الإسرائيلي، وذروة المشروع، ودلالته الإسلامية هي المهددة، ولذلك فإن فرض السيادة السياسية والأمنية والعسكرية يستهدف استكمال تهويد مدينة القدس، بالتوازي مع خلخلة البنية الاجتماعية في المدينة، واهلاكها اقتصاديا، وعلى هذا لا يمكن التهوين من كل القصة، هذا فوق ان العلاقة بالأقصى في الأساس، دينية ومحددة بمعايير شرعية لا شخصية.
حرب غزة ستكون فاصلة من حيث النتائج، وسيكون ارتدادها الأول على القدس، والمسجد الأقصى، فيما علينا ان نتذكر أن الأقصى ليس مجرد مبنى حجري، بل أكبر من ذلك بكثير.