زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - بعد رسائل ملغزة ومعمقة طالت استذكار الراحل «المشير حابس المجالي» تعود أدبيات حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض في الأردن لاستذكار الزعيم الوطني الراحل في بدايات القرن الماضي «كايد مفلح العبيدات» مؤسس أول «خلية مسلحة» من أبناء العشائر الأردنية في مواجهة «العصابات الإسرائيلية» عام 1920.
وبعد إصدار «بيانات» بذكرى معركة الكرامة وأدبيات تتحدث عن «عقيدة قتالية» عند الأردنيين ضد العدو الإسرائيلي، استعان الإسلاميون أيضاً بذكرى ومآثر عدة شخصيات في تاريخ البنية العشائرية الأردنية على رأسها الجنرالان الراحلان حابس المجالي ومشهور الجازي.
أشارت رسائل من القيادي مراد عضايلة إلى كل هؤلاء مؤخراً ولغيرهم ضمن تداعيات إيقاعات معركة طوفان الأقصى، وبدا واضحاً أن البنية الوطنية الأردنية تستعيد كل ذكريات المنازلة والاشتباك مع العدو الإسرائيلي في مرحلة ما قبل اتفاقية وادي عربة.
جذر الصراع
يلتقط القاضي العشائري البارز طراد الفايز، المقايسة نفسها بحضور «القدس العربي» في التأكيد على «هوية وطنية وعشائرية أردنية» في الاتجاه المعاكس تماماً للكيان الإسرائيلي، في مسألة تثبت النظرية التي تحدث عنها أمام «القدس العربي» الخبير الدكتور أنور خفش عن تشكل «كتلة حرجة» في عمق وبنية المجتمع الأردن اليوم، تجمع أهم المكونات السياسية والعشائرية الاجتماعية في بوتقة موقف موحد ضد ليس إسرائيل فقط، ولكن أيضاً ضد التعايش مع مخاطر يمينها على الهوية الوطنية الأردنية. ما اقترحه الشيخ عضايلة مبكراً مقاربة تعود بالأردنيين إلى جذر صراعهم التاريخي مع المشروع الصهيوني ومع الكيان الإسرائيلي، على أساس أن تلك الحقائق تصادق عليها اليوم سلوكيات العدو وتاريخه، فيما لا يجد أنصار السلام والتعايش أي حجة يمكنهم ترديدها علناً بخصوص مكاسب التكيف والاحتفاظ باتفاقية وادي عربة بقدر ما يعلم الجميع أن الإسرائيلي «انقلب» على كل ما اتفق عليه مع الأردن شمولياً، كما يصرح الدكتور دريد محاسنة.
استذكار أسماء مناضلين… وصرخات «الله… غزة… القدس عربية»
الأهم في رأي الخفش، أن الكتلة الحرجة تلك التي تضم الإسلامي والشعبوي واليساري والقومي والعشائري، محطة تجاهلتها اليوم في عملية صناعة القرار السياسي والاقتصادي عموماً مغامرة غير محسوبة قد تلحق أضراراً بالجميع ويقول إن تداعيات ما بعد طوفان الأقصى أظهرت صعوبة توفير ملاذات آمنة لأي تعايش بين بنية المجتمع الأردني وآلة القتل الإسرائيلية. لذلك، على الأرجح وفي مواجهة كل محاولات الأردنيين لتفسير أو قراءة حرب الإبادة والتهجير التي تشنها إسرائيل على أهل الضفة وغزة، بدا أن استعادة ماضي الصراع وجذور أزمة الهوية في مواجهة العدو والأطماع، منطقة إجبارية في وجدان الأردنيين الذين تخلصوا من حالة «الرضى» عن كل مقولات السلام المعلبة التي كانت تزعم بأن اتفاقية وادي عربة ضمانة لأمن وحدود المملكة، فيما الوقائع – كما يراها الناشط السياسي البارز محمد خلف الحديد- تؤكد أن اليمين الإسرائيلي خطته استهداف الأردني تماماً غداً، بعد الاستفراد بالشعب الفلسطيني.
مستوى التعقيد ـ حسب وجهة نظر الحديد ـ وصل فعلاً في تفاعلات ما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى منطقة تصنف فيها وادي عربة باعتبارها اتفاقية تمثل الحكومة وليس الشعب الأردني، حتى إن نخبة وطبقة رجال الدولة تخفق في امتداح تلك الاتفاقية علناً، كما يخجل حتى الوزراء والمسؤولون من ذكرها الآن.
تلك أزمة تراكمها اعتبارات «الكتلة الحرجة» اجتماعياً، التي توحدت الآن في بنية المكونات الاجتماعية، بحيث أصبحت «الكراهية» لإسرائيل والارتياب فيها عابرة تماماً لكل المكونات، ولا يمكن حسابها على مكون أو لون سياسي خلافاً لأن الحديد يلاحظ أن سلام الحكومة لم يعد يحترمه أحد، لا بل لم يساهم ولا يساهم الآن في طمأنة الأردنيين على مستقبلهم في مواجهة «أطماع اليمين الإسرائيلي» بالرغم من كل الأهازيج الوطنية التي تقال على لسان المسؤولين والوزراء.
تحولات عميقة
تحولات عميقة تجري في بنية المجتمع الأردني بسبب «طبيعة العدوان» الإسرائيلي والتواطؤ العربي. والجزء الأكثر أهمية وحيوية في تلك التحولات هو ذلك المختص بالطبقات والشرائح الاجتماعية الكلاسيكية المحافظة الحليفة للدولة، والتي ساهمت في إنشائها منذ عقود، الأمر الذي يعزز القناعة بأن الكتلة الحرجة تتسع و«الثغرة» قابلة للزيادة مستقبلاً بين البوصلة الرسمية وأكتافها المألوفة في عمق المجتمع والبنية العشائرية حصراً، بدلالة الهتاف الحار لمشجعي نادي فريق الفيصلي في ملاعب كرة القدم بعنوان «الله.. غزة.. القدس عربية» وبدلالة ما قاله الشيخ الفايز بحضور نحو 40 شخصية من مختلف المكونات المناطقية بعنوان «مع الوطن والدولة والقيادة، لكن ضد إسرائيل».
وعليه، يحافظ الأردنيون على لياقاتهم في مخاطبة الحكومة وصناعة القرار ضمناً وهم يعبرون عن رأيهم ومواقفهم الآن ليس بإسرائيل فقط، بل بعدوانها وما أثارته فيهم جرائمها من مخاوف، ولاحقاً بالسلام ومجرياته دون وجود ضمانات بأن تحتفظ مراكز الثقل الاجتماعي بمساحة موقفها الحالي فقط ما دام العدوان مستمراً والأردن في مرمى الخطر.
«القدس العربي»