دائما ما كانت الجامعات مصنعا للقيادات و مركزا للنشاطات وعنوانا لحيوية الحركات الشبابية القائمة على الليبرالية السياسية في إطار المنهجية التعددية، وهو المضمون الذى يجسد المعنى الحقيقي للحياة الديمقراطية و يجعلها قادرة على هضم التيارات الفكرية مهما حملت من منطلقات برغماتية او انطلقت من مرجعيات عقائدية حتى تصب في نهاية المطاف في بحر بيت القرار ولصالحة سيما وأنها تعمل جميعها فى إطار سيادة القانون و تتشارك جميعها في مسالة القبول بالاخر وتتفق جميعها على أرضية القيم الإنسانية للبشرية والتي يقوم أساسها على الأمن فى المسكن والمعيشة كما يقوم قوامها على حق الحياة وحق التعبير وحق تقرير المصير.
الأمر الذي يجعل من هذه القيم الانسانية اداة توافق ووسيلة وفاق لا يقبل التعدي عليها أحد مهما كانت قوته ومهما بلغ عظيم نفوذه هذا لأن التعدى عليها يعتبر مساس بالمحرمات الانسانية التي تستفز عندها مشاعر البشرية وتجعل الجميع يقف مدافعا عن انسانيته بغض النظر عن هويته او مذهبه أو معتقده وهي الصيغة التي حملتها القوانين الانسانية من اجل حماية الفرد والمجتمع معا.
وغالبا ما كانت تشكل الحركات الطلابية والشبابية الحامل الأساسي لهذه القيم كونها الأقدر للدفاع عنها فى التضحية من أجل حماية محتواها، وكما تعتبر هذه الحركات الشبابيه تيارا للحماية تعتبر ايضا اداة للتغيير ورافعه للتغير "كيف لا " وهي صاحبة اليد الطولى فى الإنتاجية واليد النافذة بصناديق الاقتراع كما تشكل القاعدة الصلبة التي تقف عليها كل القيادات من أجل المشاركة فى الحياة العامة الأمر الذي يجعل من هذه الحركات الشبابية تشكل بوصلة توجه وعنوانا مستشرفا المستقبل المرحلة كما هي مؤشرا طبيعيا بوصلة التوجه وعنوان الاتجاه.
فلم يسجل كاتب التاريخ أن الحركات الشبابية ناصرت توجه ولم تنتصر أو شكلت مضمون تيار ولم تحقق فوزه بالمحصلة العامة، وهو ما جعل من الحركات الطلابية والشبابية أداة انتصار ورافعة وصول ومن يقف فى مواجهة هذه الحركات الطلابية يهزم كونها القاعدة الصلبة التي تشكل الحاضر و الشعلة المضيئة للمستقبل القادم.
الحركة الشبابية غالبا ما تكون حركة بنائية إصلاحية تعمل ضمن منهجية عمل لتحقيق أهداف يمكن البناء عليها تجاه مصلحة الفرد والمجتمع من اجل نقله الى مستويات تنموية او فى ردع حكومات باطنيه تريد فرض سطوتها واحتكار الحقيقة من منطلق فرض رأيها بالقوة والإذعان وهو النموذج الماثل في الداخل الأمريكي والذي أخذت تجابهه الحركات الطلابية لتكون هذه الحركات في مواجهة الصهيونية المسيحية او ما اصطلح على تسميته بـ تيار المحافظين الجدد وهو التيار الذي اخذ يسيطر على بيت القرار فى واشنطن ودول المركز ويتحكم بصناعة القرار وصياغته فى البيت الأممي ويقوم بفرض سياساته التي في معظمها خارجة عن الأصول القيمية وعن الأدبيات الأخلاقية.
الأمر الذى استفز الحركات الشبابية ومحركاتها سرعان ما شكلت حالة من كرة الثلج التى بدورها أخذت بالانتشار السريع في أرجاء الجامعات الأمريكية ثم الاوروبية سيكون من الصعب توقيفها في حالة استمرارها من دون تحقيق نتيجة وهو مستجد من الصعوبة استدراكه من دون تغيير منهجي يطال المعادلة القائمة ليس فقط على صعيد رفع الحصار عن غزة بل على مستوى بيت القرار برمته، فعندما يقول الشباب عبر الحركات الطلابية "كفى" فإن مؤشر "كفى" من المهم اتباعه في تغيير النهج !
ولن يفيد الادارة الامريكية فى هذه المرحلة إلا اتباع وصفه "توماس فرديمان" التي أوصى بها إسرائيل بالانسحاب الفورى من الاراضى الفلسطينية وضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى لا تذهب الرياض والمنطقة العربية تجاه الصين والشرق وسيتم محاصرة اسرائيل بدلا من محاصرة إيران في محصلة الأمر الذي يجعل تل ابيب تقف عند منعطف لتختار بين اجتياح رفح ومآلاتها أو الدخول فى المعادلة التطبيعية مع الرياض التي يزورها أنتوني بلينكن يوم الأحد القادم بعد الزيارات الأمنية التي حطت بها لغاية الوقوف عند رأي الرياض في مسألة اجتياح رفح، وهى المعركة التى لن تكون ميدانية عسكرية بطريقة ضمنية بقدر ما ستكون سياسية منهجية فإما أن يختار نتنياهو بيت عمقه الاستراتيجي ومحتواه العربي والدولي أو أن يستكمل حرب الغوغاء التى يدخلها من ثقافة الثأر التى يقف عليها فى بيان الموقف وصياغة الحال.
فان تصفية القضية الفلسطينية لن يأتي من باب البسطار العسكري بل من باب تسوية سياسية، هذا ما تقوله الرياض وما ينطق به الكاتب اليهودى القريب من المكتب البيضاوي توماس فريدمان من الرياض، وهو ما يجعل المشهد العام برمته يدخل في نفق معتم فى الانتخابات الأمريكية والاستحقاقات الدولية حيث أخذت تقف جميعها عند مفترق طرق فى بيان قرار منعطف رفح والذى تحول إلى نقطة مركزية ستؤدى إلى مواجهة غير محسوبة النتائج في حال قرار الاجتياح بين حركة الاخوان المسلمين العالمية والحركة الصهيونية الدولية.
وسيكون لذلك محاذير خطيرة ومتغيرات جمة لما يحمله ذلك من تفرعات عميقة ستدخل فى جيوبها تنظيمات مثل القاعدة وداعش والنصرة من المذهب السني متحالفة مع مع أنصار الإسلام وحزب الله والجناح الحوثي وغيرها من القوى الاخرى فى معركة سيكون عنوانها التطرف والغلو هو ما سيضع أنظمة المنطقة بين خيارين فإما الوقوف مع الخيارات الشعبية التي ترفض نموذج الظلم بالعنوان الفلسطيني أو تنحاز لصالح المعادلات السياسية وهو المشهد الذي يهدد الأمن الإقليمي والدولي وسيكون من الصعوبة التنبؤ بنتائجه أو السيطرة على تداعياته، وللحديث بقيه سيحمل استفسار من المهم استدراكه ومضمون تعليل يستوجب بيانه بين الحركات الطلابية والمعادلات السياسية !!!