ربع قرن؛ و»شوية»، مرّ على غربتي الأبدية في عمان، وعلى الرغم من ارتياحي بأنني أصنف نفسي غريب ديار عن المدينة، إلا أنني استطعت التكيف مع قوانينها الاجتماعية، وبخسائر موجعة، لكن في النهاية لا نقول إلا الحمد لله على كل شيء..
في المدينة.. ثمة نزعة مقيمة في نفوس سكانها، إن لم تعادِ القرويين والبسطاء فهي تنزع للحذر وعدم الثقة والارتياح مع قرويين وبدو يقيمون في المدينة، ولا مجال لمقارنات بين النموذجين على صعد اجتماعية، فالنموذج الغارق بالذكورية والأبوة في القرية والبادية، لا يمكن مقارنته أو البحث عنه في المدن الكبيرة، التي «تعمّرها» أمهات ..
تكون في أمان الله في «شقة»، فتنطلق هذه الأيام أصوات «شاميّة»، تزف عريسا او عروسا، وبالكاد تحدد الشقة التي يصدر منها الصوت، ولا يمكن أن تقول سوى بارك الله لهم وأتم عليهم بالخير، وتطوي الصفحة، ولا تبحث عن معلومة غير مهمة في المدينة، بينما هي محور حديث القرية على كل المستويات، لو كان العريس أو العروس هناك.
وفي غزة، الشهيدة، المقاتلة، الصابرة، القابضة على كل أنواع الجمر، يمتد عرس استشهاد الخيرة الطيبة من هذه الأمة العظيمة، الذي سنطوى ذكراه الشهرية السابعة بعد أسبوع.. وحال الامة الرسمي والشعبي إلى حد ما يؤكد بأنه مجرد «عرس عند جيراننا..».
لكن ثمة في الديرة من يتأثر بمجريات عرس استشهاد غزة، وقد ذكرت في أكثر من مقالة سابقة بأن العالم سيتغير، وسيدفع ثمنا غاليا جراء صمته عن جرائم الصهيونية، وسيكون الغرب الأوروبي والأمريكي، هو مصدر التغيير والتأثير وربما الثورة ضد الصهيونية، حيث فهم الجمهور هناك بأنه كان ضالعا في هذه الجريمة الكونية ويدعمها، دونما علم منه أو موافقة.. وفي البلدان التي تحرر فيها العقل والشخصية، وكفلت قوانينها هذه الحريات، وجد منظروها ومفكروها وناسها العاديون منجم نضال سياسي في القضية الفلسطينية، وفي الجريمة الصهيونية، ومن الطبيعي والموضوعي أن يبدأ حراك ثوري فكري عاصف في تلك البلدان العائدة لشعوب «صاحية»، وتتدحرج كرة اللهب وليس الثلج، حتى يعم الضوء والوهج اللافح الحارق.
أوروبا وأمريكا تحتفي بعرس غزة حسب ثقافتها، فالحكومات المتصهينة تحاول الصمود على موقفها الإجرامي البشع، بينما الشعوب بدأت بطرح الأسئلة الكبرى والتململ، رفضا للتضليل قبل رفض سفك دماء الأبرياء، واقتراف سائر أنواع جرائم الحرب.
عرس الحرية الكاملة يجري في ديرتنا، بينما الغرب من يحتفل ويزداد نورا وحرية..
وسوف نشاهد ونسمع خطابا إنسانيا حقيقيا هناك، يحرص على تحرير الإنسان من كل أشكال الظلم والجريمة.
أصغوا جيدا أيها العرب.. وما عليكم سوى اكتساب مهارات جديدة في الرقص على الجراح والزهو بالتخلف والرجعية.