للعدالة روح؛ يشعر بها المتوازنون من أية ملة وفي كل زمن، وعندما نتحدث عن هذا الزمن، فنحن نتحدث عن حضارة بشرية تحتكم لقوانين تنظم سلوك البشر وحياتهم، وفي النتائج نحكم على مقدار تحضر هذه البلاد عن تلك حسب رشاقة قوانينها، وحسب مستوى ارتياح المواطنين فيها..
فمثلا حين يصدر قانون عفو عام، دستوري ملكي، ويتم تحديد الجرائم التي يشملها، فهذه واحدة من تجليات سيادة الدول على قرارها، وقدرتها على تجديد نفسها من خلال ممارسات قانونية تؤكد مدى رقي وتحضر دستور هذه الدولة، وتقدم وصفا إيجابيا للنظام السياسي الذي يدير شؤون الدولة، وكل هذا يتحقق من خلال إصدار قانون عفو عام، لكن مصيبتنا دوما في العبقريات والتذاكي، الذي يقلل من هيبة الدولة ويشكك بل يهز الثقة بينها وبين مواطنيها ورعاياها، وهذا جانب من النتائج التي تمخضت عنها -حتى الآن- التفسيرات التي قدمتها بعض الجهات حول تفسير التفسير للعفو العام ومقاصده، لتجد جنحة أو جريمة تم شمولها وغراماتها بالعفو، بينما جنح او جريمة مخففة عن الجريمة نفسها لم يشملها العفو نفسه، (يعني مثلا القاضي او المحكمة أخذت في اعتبارها حالات او بينات معينة وخففت عن المتهم الحكم عليه بالتهمة المسندة إليه في القضية، وحكمته بتهمة أخرى، ليأتي عباقرة ويشملوا الجريمة الأصلية بالعفو بينما لا تتطرق اهتماماتهم وعقلياتهم للتهمة المخففة، فأية مقاييس وتفسيرات هذه، وأي منطق؟!!!).
من جهة أكثر «فداحة»، وهذه الملاحظة موجهة لوزارة التربية والتعليم، التعليم الخاص، ولتلك اللجنة التي كانت تشير على الحكومة، بإغلاق المدارس وقت جائحة كورونا، فلماذا أشرتم على الحكومة بهذا الرأي؟ ومنعتهم الطلاب ان يتلقوا التعليم في مدارس يدفعون لها دماء قلوب آبائهم؟.. بالتأكيد ثمة موقف قانوني ودستوري وإنساني سليم، دفع بالحكومة أن تتخذ مثل هذه الإجراءات، وهو سلامة المواطنين كلهم، لهذا نسأل الآن تلك الجهات عن تلك القرارات، التي حرمت الناس من خدمات بقرارات دولة صحيحة، اتخذتها كل دول العالم، لكن كيف تعود المدارس وتلك الجهات لتهدد الناس بالدفع عن تلك الفترة التي لم يقدموا فيها خدمة للطلبة، وتطالبهم اليوم بتلك المبالغ، وحين يقول لهم المواطن بان العقد بينه وبين المدارس هو تعليم أبنائهم في مدارس وصفوف ومدرسين بمواصفات معينة وهذا شرط لم يتحقق، فعن أي شيء تريدون مالا «حراما»، فتجيب بعض إدارات المدارس الجشعة (روحو على الدولة واحكولهم ليش أجبرونا على إغلاق مدارسنا في وجوه أبنائكم !!).
هاتان حالتان من الممارسة للقانون، يتعرض فيها الناس للظلم والتمييز وأشكال كثيرة من فقدان الحق، فوق شعوره بالضعف والتجبر والاستقواء عليه، وباسم القانون، ولا حول ولا طول بيده، سوى الردّة عن كل أشكال الثقة والإيمان بأداء بعض المؤسسات، فهذه حالات يغيب فيها المنطق والقانون يصبح سيفا للظلم بعد أن كان سيفا مقدسا لإحقاق العدالة والخير وشكلا من أشكال المدنية والتحضر.