في حضرة البوصلة أو بضياعها لا قدّر الله، تفرض بعض الدروب التمهّل. انعدامه لا يعني سوى التهور فالتدهور، ولذلك المصير عواقب وخيمة، منها مما لا تسرده الجهود مهما أفلحت.
من ألف باء حل النزاعات بما فيها الشخصية الحساسة، سواء أكانت في محيط الزمالة أو الجيرة أو دائرة الأسرة، الإسراع في نزع فتيل الانفجار والتخفيض في منسوب التوتر دون الدخول حتى فيما يختلف فيه الطرفان المراد إصلاح ذات البين بينهما أو الانتصار لطرف على آخر.
من هنا تأتي الحكمة والرحمة الكامنة في دعوة «انصر أخاك ظالما أو مظلوما». النصر -ولا أحب كلمة النصرة لاختطافها من قبل تنظيم إرهابي هو وكل أخواته من فراخ التنظيمات الإرهابية- النصر لا يكون دائما بالانتصار إلى مواقف الأخ بل أحيانا مساعدته على التراجع عن خطئه في الوقت المناسب للحيلولة دون المزيد من التداعيات الكارثية.
قد تأخذ هذه السطور القارئ الكريم إلى أحداث وطنية أو إقليمية أو عالمية ما زالت تتصدر اهتمامات الأردنيين في الوطن والمهجر، إلا أن المراد في ما أريد قوله هو أن بعض الأزمات لا تحتمل أي شحن من أي طرف كان، لا أطرافها المباشرة ولا حتى المتأثرين بها. لتفكيك المفخخات وإطفاء الحرائق وانتشال المهددين بالغرق بماء أو رمال متحركة أو من تحت أنقاض هدّمه اعتداء إرهابي أو كارثة طبيعية أو بشرية، لا فرق، ثمة قدرات لا تملكها إلا الجهات المختصة في التعامل مع ذلك وتعرف في كثير من دول العالم بعلوم وحرفية إدارة الكوارث والأهم اجتنابها..
مجرد مشاهدة بعض الفيديوهات حتى دون التفاعل معها، تصور الأمور للبعيد مغتربا كان أم مهاجرا أم مستثمرا أم سائحا، تصورها وكأنها أزمة داخلية لا استجابات فيها تباين أو تدرّج لأزمات وأحداث خارجية مهما كانت تعنينا -وفي الصميم- إنسانيا ووطنيا.
مر أكثر من نصف عام، خططنا وتمنينا على امتداد شهورها الدامية أن تسكت آلات الحرب والتحريض وما كدنا جميعا أن ننعم ببدء عملية التعافي من كارثتي كورونا وأوكرانيا وما قبلها من العشرية السوداء المتمثلة بالربيع العربي المشؤوم.
لن أدخل في بورصة الأرقام ولا دهاليزها، لكن أشهر الربيع والصيف تمثل طوق النجاة لصناعات كثيرة أهمها الزراعة والنقل والتجارة والسياحة. لا بد من تهدئة النفوس والخواطر بكل السبل المتاحة. إن لم تكن جذور القضية أو الأزمة في أيدينا فأقله المداراة على «شمعتنا» التي نبدد فيها عتمة الظلم والظلام. شمعتنا أو «الزيت الذي في سراجنا» كما في التشبيه الوارد على لسان شهيد الأردن الأيقوني وصفي التل رحمة الله عليه، لا بد أن نواصل إنارة الدرب عوضا عن لعن الظلام. وعندما ينحدر البعض بالدروب الخطرة أو الطرق الجانبية ويصرون على الالتفاف بها، لا خيار لدينا إلا التهدئة والسير بهدوء على هدى يبلغ بنا جميعا برّ الأمان. حينها -بعد الفرج- لكل حادث حديث..