زاد الاردن الاخباري -
لا يعرف العلماء بالضبط لماذا يؤدي تناول كميات أقل إلى إطالة عمر الحيوان أو الشخص، لكن كثيراً من الفرضيات يشير إلى «تطور» الخلايا بعدد سُعرات أقل.
ووفق تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز»، تمر الحيوانات بفترات من المجاعة، لذلك تطورت بيولوجيتها للبقاء والازدهار؛ ليس خلال مواسم الوفرة فحسب، ولكن أيضاً خلال مواسم الحرمان.
وتشير إحدى النظريات إلى أن تقييد السعرات الحرارية يجعل الحيوانات أكثر مرونة في مواجهة الضغوط الجسدية.
على سبيل المثال، تتمتع الفئران المقيدة بالسعرات الحرارية بمقاومة أكبر للسموم، وتتعافى بشكل أسرع من الإصابة، كما قال جيمس نيلسون، أستاذ علم وظائف الأعضاء الخلوية والتكاملية بجامعة تكساس لعلوم الصحة.
ونقلت الصحيفة أنه إذا وضعت فأر مختبر على نظام غذائي، وخفضت السعرات الحرارية التي يتناولها بنسبة 30 إلى 40 في المائة، فإنه سيعيش، في المتوسط، نحو 30 في المائة أطول، كما أن تقييد السعرات الحرارية لا يمكن أن يكون شديداً لدرجة أن الحيوان يعاني سوء التغذية، لكن يجب أن يكون كافياً لتحفيز بعض التغييرات البيولوجية الرئيسية.
واكتشف العلماء هذه الظاهرة، لأول مرة في الثلاثينات، وعلى مدار التسعين عاماً الماضية، تكررت في أنواع تتراوح من الديدان إلى القرود. كما وجدت الدراسات اللاحقة أن عدداً من الحيوانات المقيدة السعرات الحرارية كانت أقل عرضة للإصابة بالسرطان والأمراض المزمنة الأخرى المرتبطة بالشيخوخة.
ولكن على الرغم من كل الأبحاث التي أُجريت على الحيوانات، لا يزال هناك كثير من الأمور المجهولة، ولا يزال الخبراء يناقشون كيفية عمله، وما إذا كان عدد السعرات الحرارية المستهلَكة أو الفترة الزمنية التي يجري تناولها فيها (المعروف أيضاً باسم الصيام المتقطع) هو الأكثر أهمية.
ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كان تناول كميات أقل من الطعام يمكن أن يساعد الناس على العيش لفترة أطول أيضاً. يشتهر خبراء الشيخوخة بتجريب أنظمة غذائية مختلفة على أنفسهم، لكن دراسات طول العمر الفعلية ضئيلة ويصعب تنفيذها؛ لأنها تستغرق وقتاً طويلاً، وفقاً للصحيفة.
ويقول الدكتور كيم هوفمان، أستاذ الطب المساعد في كلية الطب بجامعة ديوك، والذي درس تقييد السعرات الحرارية لدى البشر، إنه من الممكن أنه «كلما قللت الحاجة إلى جعل جسمك يقوم بعملية التمثيل الغذائي، طالت مدة بقائه على قيد الحياة». وضرب المثل: «كما تعلمون، فإذا أبطأنا سير العربة فسوف تستمر الإطارات لفترة أطول».
تحفيز «الالتهام الذاتي»
كما أن تقييد السعرات الحرارية يُجبر الجسم على الاعتماد على مصادر الوقود الأخرى غير الجلوكوز، والتي يعتقد خبراء الشيخوخة أنها مفيدة للصحة العامة وطول العمر.
وأشار عدد من الباحثين إلى عملية تُعرف باسم «الالتهام الذاتي»، حيث يأكل الجسم الأجزاء المعطوبة من الخلايا، ويستخدمها للحصول على الطاقة، وهذا يساعد الخلايا على العمل بشكل أفضل، ويقلل خطر الإصابة بعدد من الأمراض المرتبطة بالعمر.
في الواقع، يعتقد العلماء أن أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الوجبات الغذائية المقيدة بالسعرات الحرارية تطيل عمر الفئران هو أن الحيوانات لا تمرض في وقت مبكر، هذا إن حدث، كما قال الدكتور ريتشارد ميلر، أستاذ علم الأمراض بجامعة ميشيغان.
وهناك بعض الاستثناءات الملحوظة للنتائج المتعلقة بطول العمر وتقييد السعرات الحرارية. الأكثر إثارة للدهشة هو الدراسة التي نشرها الدكتور نيلسون في عام 2010 على الفئران التي كانت متنوعة وراثياً، ووجد أن بعض الفئران عاشت لفترة أطول عندما تناولت كميات أقل من الطعام، ولكن مع تناول نسبة أكبر كانت في الواقع فترة الحياة أقصر.
وعلى الرغم من تشكيك باحثين في نتائج دراسة الدكتور نيلسون، بسبب صعوبة تقييد عوامل أخرى، فإنه لم تكن دراسة الدكتور نيلسون هي الوحيدة التي ربطت طول العمر بتقييد السعرات الحرارية.
فعلى سبيل المثال، أظهرت دراستان أُجريتا على القرود لأكثر من 20 عاماً، ونُشرتا في عاميْ 2009 و2012، أن الحيوانات في كلتا التجربتين تمتعت ببعض الفوائد الصحية المرتبطة بتقييد السعرات الحرارية، لكن مجموعة واحدة فقط عاشت لفترة أطول، وكان لديها معدلات أقل من الأمراض المرتبطة بالعمر، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري.
وقت تناول الطعام... عامل حاسم
وعدَّت الصحيفة أن هناك متغيراً آخر مهماً بالقدر نفسه، أو حتى أكثر أهمية من عدد السعرات الحرارية التي يتناولها الحيوان؛ وهو الفترة الزمنية التي يتناولها فيها.
كان الاختلاف الرئيسي بين تجربتي القرود هو أنه في دراسة عام 2009، التي أُجريت بجامعة ويسكونسن، تلقت القرود وجبة واحدة فقط في اليوم، وقام الباحثون بإزالة أي طعام متبق في وقت متأخر من بعد الظهر، لذلك جرى إبعاد الحيوانات عن الطعام، واضطرت الحيوانات في التجربة للصيام لمدة 16 ساعة تقريباً.
وفي دراسة عام 2012، التي أجراها المعهد الوطني للشيخوخة، جرى إطعام الحيوانات مرتين في اليوم، وترك الطعام طوال الليل. كانت قرود ويسكونسن، التي تناولت وجبة واحدة، هي التي عاشت لفترة أطول.
كما اختبرت دراسة حديثة أُجريت على الفئران بشكل صريح آثار تقييد السعرات الحرارية مع الصيام المتقطع ومن دونه، إذ أعطى العلماء الحيوانات النظام الغذائي نفسه منخفض السعرات الحرارية، لكن بعضها حصل على الطعام لمدة ساعتين فقط، والبعض الآخر لمدة 12 ساعة، ومجموعة أخرى لمدة 24 ساعة.
ووجدت الدراسة أن الفئران التي حصلت على وجبات منخفضة السعرات الحرارية، وتناولت الطعام على مدار 24 ساعة، عاشت أطول بنسبة 10 في المائة، في حين أن الفئران التي تناولت الطعام نفسه خلال فترات زمنية محددة زادت بنسبة 35 في المائة في متوسط العمر.
رافائيل دي كابو أحد كبار المحققين بوكالة الاستخبارات الوطنية (موقع المعهد الوطني للصحة)
ويقول رافائيل دي كابو، أحد كبار المحققين بوكالة الاستخبارات الوطنية، الذي ساعد في قيادة دراسة القرود هناك: «يُعتقد الآن أنه على الرغم من أن تقييد السعرات الحرارية مهم لطول العمر، فإن مقدار الوقت الذي يقضيه في الأكل - وليس الأكل - كل يوم لا يقل أهمية، وقد لا تكون هذه هي الحال للحيوانات فحسب، بل للبشر أيضاً».
ويرى الدكتور ميلر إن تقييد السعرات الحرارية بنسبة 25 إلى 40 في المائة الذي ثبت أنه مفيد للحيوانات، ليس واقعياً للبشر، في حين كان للدكتور دي كابو وجهة نظر مختلفة، إذ يقول: «مع تقييد السعرات الحرارية بنسبة 11 في المائة فقط التي حققها المشاركون، ما زالوا يُظهرون نتيجة إيجابية».
وقد ركزت أبحاث أخرى على التأثيرات قصيرة المدى للصيام المتقطع لدى الأشخاص الذين لديهم مجموعة من مؤشرات كتلة الجسم. وأظهرت بعض الدراسات، التي اختبرت مجموعة متنوعة من جداول الصيام، تحسناً في صحة الجسم وحرق الطعام وتقليل الالتهاب.
وتوفر بعض الدراسات سبباً لاعتقاد أن تقييد السعرات الحرارية والصيام المتقطع سيساعدان على العيش لفترة أطول، ومن المحتمل أن تكون هناك فوائد على المدى القصير، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بصحة القلب والتمثيل الغذائي.