يحتفل العالم بيومين على صلة بالعمل. الأول يركز على الفعل وهو العمل، فيما الثاني -وهو الأكثر شيوعا- يركز على الفاعل، العامل (يوم العمّال). في بلاد العم سام تحتفل الأمة الأمريكية في الثاني من سبتمبر المقبل هذا العام، بيوم العمل «ليبر داي» والمصادف كل سنة، أول إثنين من الشهر التاسع، حتى تمتد عطلة نهاية الأسبوع، فتصير ثلاثة أيام تتيح للناس فرص الاستجمام، لا الراحة فقط، فضلا عما هو أهم، وهو التواصل الأسري والاجتماعي الذي يتطلب السفر في كثير من الحالات، للم شمل الأسرة أو الأصدقاء.
مع هذين اليومين المكرسين لقيمة العمل -كأحد أسباب البقاء- ولقيمة الإنسان العامل -المستأمن على هذه المعمورة- في أي ميدان كان، لا تغيب عن بالي مقولة يزخر بها تراثنا الشعبي وإرثنا الحضاري الضارب جذوره في أغلى ما في هذه البقعة من العالم، كونها مهد الديانات التوحيدية الثلاثة. «العمل عمل ربّنا» مقولة تقال في أكثر من لجهة عربية في «بلاد العرب أوطاني». لطالما ردّدناها بعد أن «نعقلها ونتوكّل»، لكن ثمة معنى أكبر وأشمل يحيل كل ما نجهد لأجله ونجاهد لبلوغه إلى ربّ الأرباب، ربّ العالمين أجمعين. سبحانه، لا يتم عمل ولا يكتمل إلا بهديه، وعلى عينه، جلّا وعلا. وإن قال أجدادنا «العمل عمل ربّنا»، فما عنوه -وقد غاب عن بعضنا- هو ما هو أسبق وأبقى من الإيكال والاتكال، إذ ينسب العمل كله إلا مالك الأمر كله، لا حُرمنا أجمعين رضاه.
وقد تنافس المفكرون ومن بينهم المستنيرون بأي من المصادر المعرفية القائمة على فهم النصوص المقدسة، تنافسوا على التبحّر في أصل الأشياء والأفعال، قبل السجال حول طبيعة الأعمال وعمّالها، في أي ميدان كان. الأصل هو نيل البركة قبل الشروع بالعمل، لا انتظارا لاكتماله على أكمل وجه. فذلك الكمال -مهما حرصنا- منقوص جراء محدودية قدراتنا، حتى وإن سلمت نوايانا وصلحت نياتنا. لا خلاف على الأجر العظيم المترتب في نية الخير وفعله، والتراجع عن الشر قبل الوقوع في براثنه، لكن المريح لكثير من النفوس المرهقة في عالم بلغت فيه المادية من التدنّي والأنانية من الانحدار مدارك تعفّ عنها حتى الوحوش والكواسر، لن تتسنى تلك الراحة إلا بالتسليم بأن العمل هو عمل ربنا، دونما تواكل وإنما بالتواصل الحقيقي مع تلك النفس الخيّرة المطمئنة الفطرية المغروسة مع الميلاد في كل واحد منّا والتي ستبقى في فراغ ووحشة ما لم تعرف مصدر خلقها وبقائها وصلاحها، حتى يرث الله الأرض ومن وما عليها، بمعنى تحقيق الملكوت السماوي على الأرض، وذلك عمل لا يقدر عليه إلاه هو، وحده سبحانه. مهما طال بقاؤنا على هذه الأرض وعلا بنياننا عليها أفرادا وأمما ودولا سندرك إن عاجلا أم آجلا، أن العمل، أن السلام، سلام ربنا.. فكل عام وعمّال العالم كله، خاصة على ضفتي الأردن المفدى، نهر القداسة والرسالة، بأمن وأمان ووئام وسلام..