ملفت ما ذكره كاتب غربي من أن إسرائيل تفضل لحكم غزة بعد أن تنهي كل إجراءاتها الأمنية من منطقة عازلة وعمليات عسكرية في رفح، تفضل أنّ من يحكم غزة هو حماس الضعيفة جدا عسكريا بحيث تملك من القوة ما يجعلها قادرة على ضبط غزة وليس أمرا آخر.
هذا الاعتقاد ليس على قاعدة الحبّ والكره بل من بوابة مصلحة إسرائيل التي لا تريد للانفصال الفلسطيني أن ينته ولا تريد للسلطة الفلسطينية رغم توافقها الأمني مع إسرائيل أن تعود لحكم غزة، فهي تريد بقاء "دولتين"، كلاهما حركتها بما يمنحه الاحتلال من صلاحيات أو مواد تدخل إليهما.
هذا التصور ليس غريبا فما قالته دولة قطر على لسان مسؤوليها مؤخرا أنها كانت ترسل الأموال شهريا إلى حماس وتدخلها بموافقة إسرائيل وعبر معبر إيريز بإشراف حكومة نتنياهو، وبغض النظر عن النوايا عند قطر أو حماس فإن إسرائيل كانت تريد إبقاء شريان الحياة لحماس وغزة بالأموال القطرية لكن تحت إشراف إسرائيل وموافقة كيان الاحتلال حتى تبقى غزة منفصلة و"مستقلة" كما هي الضفة التي يجب أن تبقى "مستقلة"، فمن صنع الظروف للانفصال وحوله إلى واقع قوي يريد استمراره، ولهذا فإن كل هذا العدوان منذ حوالي سبعة أشهر وإلى اليوم لم يستطع أن يقنع المناضلين ولا المجاهدين أن يجلسوا جلسة عاطفية تقنع العالم أنهما ينتميان إلى شعب وبلد واحد، لا الحقيقة الكبرى أن الانفصال صنع شعبين وسلطتين وحتى مستويين من المشاعر كما نرى في مستويات تضامن الضفة مع غزة، لتضاف إلى المستوى الفلسطيني الثالث وهم الفلسطينيون بأراضي الـ48 الذين أجبرتهم جنسيتهم الإسرائيلية على الالتزام بتعليمات إسرائيل، بل فئات منهم من أهم قطاعات المقاتلين في صفوف جيش "الدفاع" كما يسمونه.
إسرائيل تدرك أن ما يخدمها إستراتيجيا هو تحويل انفصال الجغرافيا الفلسطينية إلى واقع يتجاوز التاريخ عبر تحويله إلى مصلحة إستراتيجية لطرفي الصراع الفلسطيني الفلسطيني، وقد تحول من نزاع إلى صراع، لأن كلا الطرفين قد يعقد هدنة مع إسرائيل أو ينسق معها أمنيا واقتصاديا وسياسيا، لكن من المستحيل أن يصلا إلى حد الجلوس معا جلسة مثمرة.
اليوم مناطق فلسطين مقسمة بين إسرائيل وسكانها العرب جزء من الدولة العبرية وفئات منهم مقاتلون في جيشها، والجزء الثاني الضفة بكل تفاصيلها السياسية والأمنية، وأخيرا غزة بحكمها وقرارها، وما كشفته فترة العدوان على غزة أن الشعب الفلسطيني بعد أكثر من 75 عاما من النكبة انقسم على جغرافيا عديدة داخل فلسطين وخارجها، وأولويات ومواقف سياسية.
لأن إسرائيل تريد تثبيت واقع الانقسام الفلسطيني، فمن المنطق أن نصدق أنها تفضل أن تعود حماس الضعيفة لحكم غزة حتى يصبح حكم غزة هو الغاية وأيضا حكم الضفة تريده للسلطة الفتحاوية الضعيفة وليس للمشروع الوطني الفلسطيني لا في الضفة ولا غزة.