جائحة كورونا، العملية العسكرية الروسية الخاصة في اوكرانيا، الغرب يثير قلقا واسعا من نشوب حرب في الشرق الادنى بين الصين وتايوان بعد امداد الاخيرة بالاسلحة لتواجه بكين، واخيرا الحرب الهمجية الصهيو امريكية في قطاع غزة، وحروب اخرى شرق العالم وغربه، شماله وجنوبه، لفرض واقع جيوسياسي جديد على العالم تريد الولايات المتحدة الامريكية السيطرة عليه والتحكم بمجرياته.
الجائحة الصحية، التي تسببت القرارات الرسمية على مستوى العالم بتراجع في اداء اقتصادات الدول وخاصة تلك التي فرضت اغلاقا عاما بزيادة كبيرة جدا في حجم الدين العام العالمي حيث اعتمدت الكثير من الدول خاصة النامية منها على الاقتراض دون حساب لاي شيء اخر، علما بان هذا الفيروس يسير بين الناس الآن ضمن احتياطات معقولة، لتحمل هذه الجائحة الاقتصاد العالمي مستوى دين عام قياسي بلغ 315 تريليون دولار حتى نهاية آذار الماضي.
اما اذا نظرنا الى التغيرات الجيوسياسية المستحدثة من قبل الدول والتي ترغب في فرض سيطرتها على العالم حتى لو على حساب هذا العالم، فنرى ارقاما صادمة تصدر عن المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي، الذي دقت تقاريره الاخيرة ناقوس خطر اقتصادي حقيقي محدق قد لا يدع احدا دون ان يؤثر عليه وان بمنحى او اسلوب مختلف، فيما جاء بعضها ليؤكد ان عددا ليس بالقليل من دول العالم حاولت وتحاول في الوقت الراهن تجنب تداعيات التغيرات الجيوسياسية.
الملفت في احد التقارير الصادرة عن الصندوق انه لفت الى تأثيرات الاختلافات الجيوسياسية الطارئة حديثا، والتي قسمت اقتصادات العالم الى ثلاث كتل، منها من يعتمد على امريكا، واخرى على الصين وغيرها مستقل بذاته.
بحسب التقديرات فان هذه التقسيمات قد زادت من كلف التجارة 3 الاف مرة عما كانت عليه قبل ذلك، اي في عصر العولمة، والقطب الواحد، بمعنى ان تقارير الصندوق تناقض نفسها ذلك انه اقر بان نجم هذا العصر يوشك على الافول، في ظل نفس المعطيات التي قسمت العالم لثلاث كتل اقتصادية!، اي انها لازالت تعمل في اطار ان يكون هناك نقطة جذب واحدة للعالم.
فاذا ما وسعنا دائرة القياس نرى ان تلك الدول التي اعتمدت ولا تزال على واشنطن تعاني الآن الامرين من ارتفاع اسعار الفائدة على الاقتراض، عدا عن معاناة معاملاتها التجارية خاصة الصادرات بالدولار الذي بلغ مستويات سعرية شاهقة وغير مسبوقة تزيد من كلف الاستيراد من جانب، وكلف الانتاج في حال تم استيراد مدخلات الانتاج.
اما الدول التي اختارت التعامل بالعملات المحلية للمبادلات التجارية، وتغير بوصلتها نحو مناطق جديدة في العالم والاستغلال الامثل لمقدراتها الطبيعية والبشرية والافتصادية، تجاوزت عقبة التخلي عن العملات الغربية بشكل عام وحقق اقتصادها اكتفاء ذاتيا في الكثير من المنتجات والخدمات، عدا عن انها تحكمت بشكل اكثر فاعلية بمقدراتها الطبيعة ووجهتها للمستفيدين منها بشكل افضل، لتتجاوز عقبات التغيير في سياسيتها الاقتصادية.
اما تلك التي تعتمد على الشرق وخاصة الصين، فلا زالت تحصل على ميزات ممتازة تساعدها في تجاوز عتبات التغير الحاصل على صعيد مسار الاقتصاد العالمي، وبدأت بالفعل تجني نتائج جيدة.
اما الحدث الاهم في العالم، هو اعتراف المؤسسات الدولية بان هناك بعض الدول تعيد النظر في اعتمادها الكبير على الدولار الأمريكي، في المعاملات والاحتياطيات بعد عدة سنوات من الاضطرابات سواء الصحية او الجيوساسية، وتقوم حاليا بمراجعة شراكاتها التجارية على أساس الاعتبارات الاقتصادية والأمن القومي.
ان على الدول التي لم تبدأ بعد باعادة قراءة ادائها خلال السنوات الاربع الماضية عليها القيام بهذا الامر فورا قبل فوات الاون وتحميل اقتصادها عواقب قد لا تكون طرفا فيها بشكل مباشر، او بعيدة عنها تماما، ذلك ان الابقاء على هذا النهج من شأنه ترك ارث ثقيل من مديونية وعجز واقتصاد بطيء النمو وغير ذلك، قد لا تتحمله اجيال المستقبل.