بقلم: الأستاذ عبد الكريم فضلو العزام - قرأنا الكثير عن حروب سابقة بين شعوب وبين قبائل في أزمانٍ كان يسودها الجهل والتوحش. وشاهدنا الكثير من الحروب المعاصرة في زمن البارود والطائرات ومختلف وسائل الحرب الحديثة. وفي جميعها لم نقرأ ولم نشاهد توحشاً وهمجية كالذي جرى و يجري في معركة غزَّة، باستثناء ما قرأنا عنه و فعله (نيرون) بمدينة ( روما ) عندما قتل أهلها وأَحرقها عن بكرة أبيها.
في كل الحروب هناك قواعد وضوابط، فلا يُقتل المدنيون وغير المحاربين، ولا تُدمَّر البيوت والمدن، ولا تمسح الأرض من كل ما عليها من شجر وحجر ومن كل وسائل الحياة، إلا أن حرب غزَّة وما يفعله نتنياهو وجيشه اليوم هي حرب إبادة لا يختلف عليها إثنان ولا يشابهها سوى من ضربوا المدن بالقنابل الذرية في الحرب العالمية الثانية.
إنّ حرب غزَّة التي بدأت بثورة على الإستعمار، والإحتلال وعلى الجوع وعلى التنمر و القهر، قابلها نتنياهو وجيشه بمختلف أنواع الأسلحة من دبابات وطائرات و صواريخ و يدعمها تهديد باستخدام السلاح النووي إذا لزم الأمر ، و يقف خلف كل هذا بوارج و غواصات و طائرات و جيوش الداعمين لإسرائيل تملأ البرّ والبحر والأجواء جاهزة بانتظار إشارة من إسرائيل وقادتها حتى لا تُبقي ولا تذر.
إنّ الجيش الإسرائلي ونتنياهو قد وضعوا قواعد جديدة لحربهم في غزَّة تقوم على القصف عن بُـعـد بالطائرات والمدفعية والدبابات، ولا يتقدمون إلا بعد أن يسوَّى كل شيء بالأرض لضمان أقل الخسائر في صفوفهم غير عابئين بأرواح المدنيين الشيوخ والنساء والأطفال، هدفهم إبادة كل شيء فيه حياة من بشر ونبات، وتدمير كل ما يساعد على الحياة، فدمروا آبار المياه، وأتلفـوا خدمات المجاري حتى أننا رأينا جنودهم إذا رأوا عجوزاً عند نافذة بيت، لا يدخلون حتى يطلبوا من المدفعية والطائرات تدمير ذلك المنزل وإعادته تراباً تذروه الرياح.
إنّ جيشهم الجبان قد ظهرت وحشيته في رؤيتنا له يقتل كل شيء يتحرك حتى الأطفال والشباب العزّل السائرون على الطرقات، والباحثون عن لقمة العيش، كان الجيش يقصفهم بكل الأسلحة والذخائر.
لقد وضع نتنياهو وقادته هذه القواعد الحربيّة المتوحشة الجديدة ومارسها في حربه على غزّة وأهلها، وغاب عن بالهم أنّ ما يفعلونه الآن في غزّة سيكون خطة عمل لكل من سيقارعهم مستقبلاً، وأن هذا الفعل الإسرائيلي المتوحش هو دَينٌ في رقاب من سيثأرون لغزّة وأهلها، ولفلسطين و شعبها، وأنّ خطط إسرائيل هذه ستعمل بها كل وحوش العالم، فتترك الجيوش المتقاتلة المواجهة مع بعضها حتى النهاية، وتكون البداية أولاً بالتدمير والقتل للشعوب، رجالاً ونساءً وأطفالاً، وبالتجويع فلا تترك لهم ما يأكلونه، وتمنع عنهم كل ما يساعدهم على الحياة.
إنّ بوادر استخدام هذه القواعد الحربية الجديدة عند بعض الدول بدأت تظهر جليةً من خلال القبول باستخدام إسرائيل لها، وبدعم ممارساتها وتطبيقها في حرب غزّة، ومن خلال غرس بذرة تَـقبُّلها لدى بعض الدول والشعوب لتصبح جزءاً من تربيتهم وطباعهم.
بدأت حرب غزّة وستنتهي كغيرها من الحروب، ولكن الذي ستتركه هو جرح عميق يصعب علاجه، فمع أنها تركت شهداء وثكالى وأيتام، ورجوماً من الإسمنت، إلا أنها تركت ما هو أعمق وأكثر أثراً من ذلك، لقد تركت روح الثأر لدى شعب غزّة بخاصة، والشعب الفلسطيني بعامة، وتركت نفس الأثر عند كل الشعوب الحرّة الباحثة عن الحرّية والعدالة، كما أنها غرست في نفوس المظلومين روح البطولة ونيل الحقوق.
ستنتهي حرب غزّة ولكن وحشية نتنياهو وجيشه لن تنتهي إلا عندما يأتي اليوم الذي يتجرع فيه هذا الجيش وقياداته السم من نفس الكأس الذي سَقوا به الآخرين، وأعتقد أن هذا اليوم ليس ببعيد، لأن إسرائيل هي من ظلمت، وهي من تجبرت، وهي من خطّت الطريق الأسود المظلم لنفسها وشعبها، وهي من دفعت وتدفع أصحاب الحق للاستعجال في المنازلة ونيل الحقوق، كما أنّها تَخِـزُ كُل نائمٍ ليصحو.
الكاتــب: عبـدالكريـم فضلــو عقـاب العـزام