يارب تشتي يارب خلي العجايزتنضب
وصل الزائر الذي انتظرناه طويلا وكنا نستعد لاستقباله بالغم اننا نعرف انه ثقيل الظل لكنا احوج مانكون اليه اليوم وصل فصل الشتاء محملا بغيومه بضبابه بامطاره بزمهريره ببرودته
الآن أسمع صوت الريح وهي تسف أوراق الأشجار التي اسقطتها رياح الخريف، دخلنا الشتاء، وأنا أحب ليالي الشتاء، بالرغم من هذا فانا أحس أن الشتاء أقرب إلى قلبي، لاسيما ذلك الشتاء الذي ابتعد كثيراً اليوم، شتاء المواقد والحكايا التي كانت تقصها علينا والدتي رحمها الله ونحن صغار لتلهينا عن الخروج تحت المطر او لننام وتستريح من زعاجنا المهم كنا نسر ونسعد ، كنا ننتظر المطر بلهفة العاشق لأن المطر هو عطر الأرض، كان أبي رحمه الله يحب المطر الذي تحمله النسائم الغربية، وكان المطر يهطل غزيراً مدرراً ولا ادري سر ذاك الحب بين ابي وبين المطر وعندما كبرت عرفت انه الحب الازلي بين الفلاح والارض والشتاء والمطر كان المطر خيوط موسيقا تهطل من سقف الدنيا، وكان الناس يخرجون من بيوتهم للتمتع برؤية الخير الهاطل كنا نجلس أمام المواقد وندس قرامي الحطب كي لا يبللها المطر، وكنت أجلس قريباً من الموقد أتابع الجمرات المتأججة وكنت أراقب ألسنة اللهب الزرقاء التي تلفظها الأغصان وكنا نضع البطاطا والكستنا وحتى اللحمه نشويها على نار الموقدة ، كان الشتاء صديقاً جميلاً يحمل ثمار البلوط. الذي كنا نجمعه من الشجر وتحت الشجر البلوطه التي تلبس طربوشا زاهيا من الصعب ان تخلعه واذا ماخلعته يكون تحفة نشويها وان بقي نلعب عربي انجليزي عليها مع اصدقائنا
كما نتمدد قريباً من الموقد وأمامنا كمية من ثمار البلوط والتين اليابس والجوز والدبس والطحينه لمن يرغب ان يدمج ، وكان[جارنا الطيب ابومحمد مريضا لايجد من يسقية شربه ما يتحامل على نفسه ليجر قدمية نحو الزير ويصعد على اطراافه ليصل اذن الزير ليملا الكاس ان وصل الكاس لقعر الزير الذي كثيرا ما فرغ ولم يصل كاسه ماءه فنام مكتفيا انه وصل الزير كان ولده قد سافر لاحدى البلاد بلاد الانجليز كما قالو لنا وزوجته رحلت بسفرة بعيدة قالوا لنا لن تعود منها ;كنا نسمع بكاؤه فتقول لنا امي انه يغني لاتريد ان تفطر قلوبنا عليه ونحن لانعرف معنى الغربة ولا السفر ولا الموت وكان يغني أحياناً، كان يغني للقمح والزيتون ولوحيده الذي رحل إلى المدينة الكبيرة وضاع هناك، وكان يبكي في نهاية كل موال، كنت أحب مواويلهخاصة عندما يقول يالله الغيثياربي تسقي زريعنا الغربي وتتبعها اهات وزفرات لأنها تحمل شجناً لايدخل إلا إلى قلوب الفقراء، وكانت أمي تقول:
يا ابني عندما يغني الفقير فإنه لا يغني ولكنه يبكي، في صوت الفقير بحة حزن، والجميل أن أبا محمد كان احيانا يتغنى ً بلباس البيك وجزمة البيك وصافرة البيك وتعدمني اذا كنت بعرف شو معنى البيك ، وذات شتاء قالو لنا مات أبومحمد، ودفنوه في مقبرة البلدة ، ولم يضعواعلى شاهدة على قبره، فشاهدة الفقراء هي رحيلهم عن هذا العالم رحل أبو محمد وكان زهرة بنفسج برية أقول رحل البنفسج فاستراح نعم كان ذاك الشتاء قد اخذ العم ابو محمد معه ولم يعد حتى ولده لم يعد وعاد اليوم الشتاء ، هاهو يدق الأبواب ولا ادري هل يعود ابا محمد ام ان الشتاءجاءلياخذ الكثير هذه المره معه الان فهمت معنى يارب تشتي يارب خلي العجايز تنضب غرفت ان الشتاء سيأخذ معه العجائز الذين اتعبهم العمر وسافر ازواجهم واولادهم ولم يبق لهم الا تذكرة للسفر مع الشتاء لعله اكثر دفئا وحنانا من هذا العالم الذي نبحث فيه عن البلوط فلانجد الا اغصانا بعد ان حطموا شجرات البلوط ليوقدوا في مواقدهم بعدان عز الكاز والغاز