يُقال بأن لكل شيء بالحياة جانبين، الجانب المُضيء والجانب الآخر المظلم، و ربما كان هذا ينطبق على جميع جوانب الحياة سواء اكان على الصعيد الاجتماعي الإنساني او الاقتصادي او حتى السياسي، فلا نستطيع أن نتفق جميعاً على وجهة نظر واحدة حول أمر ما، وخاصة اذا ما كان هذا الامر يتعلق بالجانب السياسي، فلكل رأيه اتجاهه ومبرراته.
فكما يرى البعض أن الديموقراطية هي الحرية والمشاركة وبناء مؤسسات المجتمع المدني وهي التي تمثل الضمانة لحماية حقوق الانسان وبالتالي ترتقي بالمشهد السياسي العام وتنطلق نحو مزيد من المنجزات على مستوى الدولة للسير قدماً في دفع عجلة التنمية واقرار السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والسياسية.
و لكن قد يحدث عكس ذلك تماماً بحيث نصبح بمواجهة مع من يستخدم هذه الديموقراطية لمصالحه الشخصية قبلية او طائفية او تستخدم بقصد الابتزاز وتصفية الحسابات او لتحقيق مزايا لهم او للمقربين منهم على حساب مصلحة الوطن الذي يودي حتماً الى عرقلة في مسيرة التنمية والإصلاح دون إعتبار واحترام للثوابت الدستورية والاعراف والقوانين.
و عليه قد تجد كثيرا من الشعوب وقد انقلبت على مجلس الأمة لديهم وعملت كل جهدها لإخراج النواب من الحياة البرلمانية ومن المشهد السياسي ككل لا بل قد يبلغ الامر مبلغاً أن تطالب الشعوب بالغاء هذه المجالس او المطالبة بتعطيلها او حلها بناء على رؤيتها لهذه المجالس ما هي الا مجالس تسعى لتحقيق مصالح شخصية بحته بدلاً من القيام بدورها كحلقة وصل ما بين الحكومة والمواطنين واذ بهم بدلا عن ذلك يشرعون فقط القوانين التي تقيد الحريات الشخصية مقابل مكتسبات خاصة، باساءة واضحة منهم في استخدام ادواتهم التي منحها لهم القانون معرقلين بذلك مسيرة البناء والنماء الحقيقي في الدولة.
ومن هنا تبنى البعض مقولة للرئيس انور السادات في سبعينيات القرن الماضي ضد معارضيه قائلا ان للديموقراطية انيابا ومخالب اشرس من الديكتاتورية وكانت من باب التحذير على ما يمكن اتخاذه من إجراءات باسم القوانين التي هي ذاتها تحمي الديموقراطية، اي انها تستخدم عند الحاجة وعند بعض الساسة الذين استنفدوا كل طاقاتهم وقدراتهم الناعمة الهادئة
و يحضرني هنا بيت من الشعر بمثل هذه الحاله
{وَجاهِلٍ مَدّهُ في جَهْلِهِ ضَحِكي
حَتى أتَتْه يَدٌ فَرّاسَةٌ وَفَمُ
إذا رَأيْتَ نُيُوبَ اللّيْثِ بارِزَةً
فَلا تَظُنّنّ أنّ اللّيْثَ يَبْتَسِمُ}
اي قد ياتي رد هؤلاء الساسة المباغت الحازم لوقف من أسند اليهم تحقيق مصلحة الوطن والمواطن ممن استغلوا المناخ الديموقراطي لتحقيق مصالح شخصية بعيده عن مصلحة الوطن والمواطن ولعرقلة مسيرة البناء والإعمار في الدولة.
و قد لا يتوقف الامر عند حدّ حل مجلس الأمة لتصحيح مسار الدولة، لا بل قد يمتد لاتخاذ قرار لاحقاً بتحويل نظام الحكم الى النظام الملكي حتى يتحقق الاستقرار ودرءاً للنزاعات والمفاسد، قياساً على القاعدة الفقهية والتي مفادها من أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
ربما يتبنى البعض نظرة مغايرة وقد يقول الفريق الآخر بأن آخر العلاج الكيّ.
فيا نواب المستقبل اتعظوا
فالعاقل من اتعظ بغيره.