النقابات المهنية لعقود سالفة كانت مضرب ومرمى المثل في الديمقراطية النقابية، والتقاليد النقابية والسياسية في الحوار والعمل العام، وارساء قواعد لعبة نقابية ديمقراطية بين الفرقاء.
و كانت النقابات مضرب المثل، وحالة تقدمية ديمقراطية، واذا ما قارنا مناخات وبيئات النقابات بالاحزاب وديمقراطية البلديات ومجلس النواب، واتحادات الطلاب، وغيرها.
و في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وما قبل هبة نيسان وربيع الديمقراطية الاردنية عام 89، وايام الحكم العرفي كانت النقابات واحات للعمل السياسي والديمقراطي، وكانت تضم اطيافا سياسية، ومن خلفيات ومراجع ايدولوجية. و النقابات واحات ومنابر وحواضن للفرقاء السياسيين، وبيوت حكمة وطنية، وضامنة لحماية العمل السياسي والحريات العامة، ومدافعة عن القضايا الوطنية والقومية. و لعلها المفارقات وحدها ما تدفعني الى الكتابة اليوم عن النقابات المهنية. و يوم الجمعة تابعت خبرا مصورا لاجتماع الهئية العامة لنقابة المحامين. فيديو حافل بالعنف وطووش، وملاسنات، وتكسير كراسي، وغيرها من مظاهر العنف.
و يبدو ان العنف بدأ يتسرب من الشوارع والمجال العام الى اروقة النقابات المهنية. وواقعة المحامين ليست الاولى، وقبلها اذكر ان اجتماعا للمهندسين والاطباء والزراعين شهد احداثا مشابهة.
و في الاعلام، عندما نبلغ عن اجتماع نقابي نتوخي الحذر، ونتحزم، ونعلن حالة الطوارئ في غرف التحرير، وذلك في انتظار اخبار ساخنة ومساجلات في الكراسي والقناوي.
و قبل ان نقفل تحرير خبر الاجتماع النقابي، وارساله الى غرف التحرير، وصفحات النشر، ننتظر ماذا في بريد الامن العام من اخبار طارئة لاكمال نشر خبر اجتماع النقابة، من اصابات وحالات حرجة، ودخول مستشفى، وتدخل قوات الدرك والامن. اجواء نقابية عاصفة، ولا يمر اجتماع نقابي دون اجواء مشابهة لما عصف بالمحامين.. صدامات ومشاحنات، وتبادل اتهامات، وحتى الان لم نعرف ماذا يريد المحامون المعترضون والمحتجون، ولماذا تعاركوا وكسروا الكراسي، ولم يصدر اي بيان او توضيح لما حدث.
المحامون «خيرة رجال القانون « واهله. وما حدث مستغرب ومستهجن، وان لم اسمع اصواتا نقابية تستهجن ما حدث، ويبدو انه واقع حال او متلازمة ودمغة نقابية. لماذا يتعارك نقابيون؟ سؤال في عارض حالة اردنية ترافق اي شأن عام.. من نقابة او حزب او اتحاد طلابي.
و حاولت ان التمس من المحامين جوابا، واتصلت بمحامين اعرفهم حضروا الاجتماع.. وهل يقف وراء العراك او الخلاف مواقف سياسية او انقسام نقابي وحزبي، او سجال حول قضايا محلية او اقليمية.
فلم اعثر على جواب سياسي او نقابي.. وذكرني، في ايام المراهقة في المدرسة والحارة، كانت طووش ومشاجرات وضرب قناوي وسكاكين تقع بين المراهقين، وفي البحث عن السبب، فان «فلان نظر الى فلان»، والسبب الاكبر.. ليش تتطلع علي !؟
تخيلوا كم ان السبب كبير ! وهل معقول ان تتسرب ترسبات وتشوهات العنف من الشوارع والحارات والقرى، والعنف الجهوي والاقليمي الى النقابات المهنية؟ و اكتب هذه السطور، وانا نقابي، وعضو في نقابة الصحفيين.. وصراحة ما اخشاه ان النقابات تفقد بريقها الديمقراطي، وبريقها في التمثيل القطاعي، وتصاب في حالة تدهور وانهيار، وتسير في ركب في مؤسسات مدنية اخرى. و في الجسم النقابي شخصيات وطنية وازنة وحكيمة، وارى انه من الضروري ان تتدخل وترفع رايات حمراء لانقاذ النقابات المهنية. الفرصة مواتية، وقبل فوات الاوان، وقبل ان تكبر المصيبة، ويصعب تداركها.
و النقابات المهنية : الاطباء والمهندسين والمحامين، والبيطريين والزراعيين على عتبة انتخابات موسمية.