كل أطراف معادلة الحرب على غزة المباشرين أو الدول التي حول غزة، ومعهم أميركا، لا يملكون حتى الآن تصورا نهائيا لما بعد الحرب، وما بين فترة وأخرى تظهر خطة إسرائيلية أو تصور أميركي، لكن حتى الآن لا يوجد شيء مؤكد ومتفق عليه.
والسبب الأساسي وراء غياب التصور النهائي، أن الطرف الفلسطيني ليس جزءا من حسابات إسرائيل وخططها، فإسرائيل لا تريد للسلطة الفلسطينية أن تحكم غزة، هذا إذا كانت السلطة تستطيع ذلك، ولا تريد حماس شريكا في حكم غزة، مع ملاحظة أن حماس بعد انتهاء الحرب لن تكون مثل حماس قبل الحرب، وهذا طبيعي أيضا والعرب لا يريدون أن يتواجدوا بديلا لقوات الاحتلال.
ربما يكون الحل المفضل إسرائيليا أن تبقى عسكريا في غزة بشكل ما، لكن دون أن تتحمل مسؤولية إدارة شؤون سكان غزة وتقديم الخدمات لهم في كل المجالات، وتتمنى أن تكون حماس الضعيفة عسكريا، لكنها من يدير الأمور الحياتية مع بقاء الاحتلال عسكريا وأن يكون هذا ضمن اتفاق تقبله حماس.
اليوم قائمة المطالب الفلسطينية أن تتوقف الحرب وأن يخرج جيش الاحتلال من غزة وأن تكون هنالك أموال من دول العالم لإعادة الإعمار، أما الحديث عن دولة فلسطينية فهو في سياق الأمنيات، لكن الواقع يقول إن المطالب إجرائية وتتعلق بغزة فقط، وجوهرها العودة إلى ما كان عليه الأمر قبل السابع من أكتوبر.
لكن حتى هذه المطالب غير ممكنة لأن غزة اليوم جغرافيا تغيرت بسبب وجود المنطقة العازلة وتغير تضاريس غزة السكانية ووجود الميناء الذي بدأ يعمل، وهناك وقائع صنعها الاحتلال على الأرض من دمار وشهداء ومفقودين وغياب البنية التحتية في كل المجالات تجعل غزة حتى لو انسحب جيش الاحتلال منها اليوم ليست غزة قبل السابع من أكتوبر.
ومع دخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح في المرحلة الجغرافية الأخيرة من العدوان، فإن نهاية الحرب ستكون في الاتفاق الذي سيأتي بعد وقف العدوان على رفح، خاصة في ظل تتابع فشل المحاولات لعقد هدنة إنسانية ثانية، فما بعد رفح هو التفاوض على "الحل النهائي" ليس للقضية الفلسطينية بل لمرحلة العدوان على غزة، وهي مفاوضات طويلة وبشروط وتفاصيل وبنود مختلفة عما هو الآن من تفاوض، وعندها سيكون الواقع الميداني الحقيقي وليس الإعلامي حاضرا على طاولة التفاوض، وسيكون هناك تصورات أكثر وضوحا للحل.
وفي مفاوضات الوضع النهائي لغزة احتمال أن يتكرر فشل المفاوضات، وعندها سيكون خيار ما بعد الفشل أو التعثر دخول غزة في مرحلة ضياع إنساني واستمرار بعض عمليات المقاومة والاحتلال وتبعثر فكرة الحل السياسي والإعمار.
المرحلة الأصعب في غزة ستكون مع نهاية العدوان على رفح وظهور مخرجاته الميدانية والسياسية وفشل أي حل سياسي، وعندها سيكون الجمود وغياب الحل تكريسا للاحتلال سنوات طويلة بلا أي قدرة على إعادتها للحياة بانتظار معطيات جديدة، وعندها سيظهر الخيار الغائب الحاضر، وهو التهجير بأشكال وصور مختلفة، علما بأن التهجير قد بدأ دون ضجيج، والدليل أرقام من خرجوا من غزة منذ بداية العدوان إلى اليوم، وهي أرقام تثير القلق.