زاد الاردن الاخباري -
حافظ الأردن في العقد الماضي- وبحكم موقعه الجيوسياسي- على مواقفه الثابتة والواضحة تجاه استقبال موجات متكررة من اللاجئين، فكان دائما الدولة الأولى التي تفتح حدودها دون تردد وتستضيف اللاجئين الذين فروا من بلدانهم هربا من الحروب والصراعات طلبا للأمن.
يستضيف الأردن اليوم- برغم التحديات والظروف الاقتصادية الصعبة، 13 % من اللاجئين في العالم ينتمون لـ57 دولة، ويشكلوني 33 % من حجم سكان، ووفقا لتقارير دولية ورسمية، فهو يستضيف ثاني أعلى حصة من اللاجئين عالميا، وإذا ما حسب اللاجئون الفلسطينيون، فهو أكبر دولة مستضيفة للاجئين في العالم بالنسبة إلى عدد السكان، وفق جريدة الغد.
موقف الأردن بمنح الملاذ الآمن للاجئين، صادر بحسب تأكيدات جلالة الملك عبدالله الثاني المستمر، وآخرها في منتدى اللاجئين في جنيف كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كون ذلك "جزء لا يتجزء من المبادئ الوطنيّة الأردنيّة (... فلا يمكننا أن ندير ظهورنا لهم؛ لأن ذلك يتنافى مع صميم هويتنا".
يشير كتاب "الانتقال الكبير- الأردن في القرن الحادي والعشرين" الصادر بمناسبة مرور 25 عاماً على تولي جلالة الملك سلطاته الدستورية (اليوبيل الفضي)، إلى أنّ الأردن لديه خبرة تاريخية طويلة في استقبال اللاجئين وإدارة شؤونهم، ترافقت مع سمعة دولية تؤكد الالتزام التاريخي والوضوح السياسي والأخلاقي الذي أثبته الأردن في التعامل مع أزمات اللاجئين، برغم أن الدولة الأردنية لم توقع اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951، المتعلقة بوضع اللاجئين والبروتوكول الإضافي لعام 1967، وبقي الأردن يرفض توطين أي لاجئ من أي جهة كانت.
يأتي هذا في وقت كان فيه تقرير حديث صادر عن وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)، قد أكد أن الأردن "ينفرد عن كثير من دول أخرى، تستضيف لاجئين بأن حوالي ثلاثة أرباع لاجئي فلسطين فيه، يتمتعون بالمواطنة الكاملة التي تتيح لهم التمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الأردنيون الآخرون". وأشار الى أن الأردن يستضيف حوالي 2.307.011 لاجئاً فلسطينياً مسجلاً، وهو "أكبر عدد من اللاجئين في أقاليم عمل الأونروا كافة".
كما قال التقرير "أنه لا يوجد أي تمييز بين اللاجئين وغير اللاجئين في الإحصاءات الوطنية الرسمية، وحوالي 60 % من لاجئي فلسطين المسجلين يذهبون إلى المدارس الحكومية"، مع اسثناء بسيط يتمثّل بالفلسطينين الذين فرّوا من غزة عام 1967 والذين يقدّر عددهم بـ175 ألف.
ووفقاً لكتاب "الانتقال الكبير"، فإن أولى الهجرات القسرية تعود إلى ما قبل تأسيس الدولة المعاصرة، إذ استقبل المجتمع الأردني هجرات شركسية وشيشانية بين العامين 1868 و1905، كما استقبل الهجرات الأرمنية عقب الحرب العالمية الأولى. والتزاماً بواجبه الإنساني، استقبل الأردن آلاف اللبنانيين أثناء الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975.
وقدم الأردن نموذجاً فريداً في احتضان اللاجئين الفلسطينيين، نتيجة للأحداث التي عصفت بالمنطقة، إذ قدرت "الأونروا" عدد اللاجئين للأردن إثر النكبة الفلسطينية في العام 1948 بحوالي 400 ألف، أما الموجة الثانية التي تسببت بها حرب حزيران (يونوي) 1967 فبلغ عدد النازحين فيها حوالي 350 ألفاً، وبعد حرب الخليج عام 1990، استقبل الأردن عشرات الآلاف من الفلسطينيين القادمين من الكويت.
وأضاف الوكالة أن الاردن "لم يتوقف عن استقبال اللاجئين والهجرات القسرية في القرن الجديد؛ إذ استقبل موجة من المهاجرين من العراق عقب الغزو الأميركي في العام 2003، وقد بنى رؤية شمولية للتعامل مع الهجرة العراقية القسرية، حافظت على التوازن بين المصالح الوطنية الأردنية والشعب العراقي، وحرص على الا تفرغ المدن السنية في العراق جراء الهجرة؛ خشية حدوث خلل ديموغرافي في هوية البلاد على المدى البعيد، وأصر على عدم إطلاق صفة اللاجئين على العراقيين، مفضّلاً صفة الضيوف عند الحديث عنهم، واستقبلت المدارس الأردنية 25 ألف طالب عراقي عام 2007 منهم 15 ألفا في المدارس الحكومية"، مع الإشارة إلى أنّ عددهم في المملكة، يقدر اليوم بحوالي 130 ألف عراقي.
ويورد الكتاب أنه وبدءاً من عام 2011، توالت موجات اللاجئين السوريين بسبب الحرب الدائرة هناك، إذ بلغ عددهم حوالي 1.4 مليون لاجئ بحسب الإحصاءات الرسمية لعام 2023، منهم حوالي 653 ألفا مسجلين لدى المفوضية السامية للاجئين.
وبين التعداد أيضاً أن السوريين يشكلون 13.3 % من إجمالي السكان في الأردن، يقيم 90 % منهم في المدن والقرى و%10.1 في مخيمات اللجوء.
وشكلت موجات اللجوء السوري منذ عام 2011، التحدي الأكبر الذي واجه الأردن في إدارة اللاجئين خلال العقدين الأخيرين، عبر ما تسببه من ضغوط متزايدة على الموارد المحدودة للمصادر المائية والخدمات العامة، كالتعليم والصحة والنمو الاقتصادي والتجارة والصادرات، ما أدى للمساهمة، إلى جانب عوامل أخرى، بتفاقم العجز في الموازنة وارتفاع الدين العام.
واستطاع الأردن، التعامل بنجاح مع هذا التحدي اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، برغم آثاره طويلة المدى، وقدم - بحسب الكتاب- صورة للدولة القادرة والملتزمة إنسانيا وأخلاقيا بإدارة ملف اللاجئين السوريين، ما عكس التزاماً بإطار الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، إذ ظل تقديم الخدمات الأساسية للاجئين وحماية كرامتهم من الأولويات الوطنية.
وقدمت القوات المسلحة الأردنية، صورة مشرفة في تأمين وصول اللاجئين ونقلهم وحمايتهم في أوقات اشتداد الصراع.
ويتفق خبراء ومتابعون مع ما سبق، ويؤكدون أنّ الأردن تحمّل في العقود الماضية الكثير من الأعباء والكلف، ودفع ثمناً لمواقفه الإنسانيّة والقوميّة العربيّة، في وقت كان فيه العالم يمد يد العون، ولكن "ليس بالقدر الكافي".
ويشير وزير تطوير القطاع العام الأسبق د. ماهر المداحة إلى أنّ الأردن تاريخياً تحمّل تبعات اللجوء الذي كان يشكل ضغطاً على موارده الاقتصاديّة الطبيعيّة، بحيث تحمّل عشرات المليارات، ناهيك عن التأثيرات الاجتماعية، وكان لا بدّ من أن "يدفع ثمن مواقفه القوميّة الإنسانيّة تجاه أشقائه العرب".
وأشار الى أنّه وبالرغم من أنّ المجتمع الدولي، كان يقدم يد العون للأردن في هذا المجال، إلا أن المساعدات لم تكن كافية، ولم يلتزم المجتمع الدولي بما تعهد به دائماً، لا بل أنّ هذا الدعم كان في تراجع مستمر، بعد تغيّر الأوليات بالنسبة للغرب منذ حرب أوكرانيا ومن ثم غزة أخيراً.
ويتفق الخبير زيان زوانة مع المدادحة، إلّا أنّه يشير إلى أنّ اللجوء في موجاته الأولى (بعد 1948)، كان له جوانب ايجابيّة، إذ جرى استثماره في بناء الدولة الأردنيّة، وذلك عبر الاستثمار في الموارد البشريّة اللاجئة.
وبالتالي، فإنّ زوانة يرى بضرورة استعادة هذه التجربة اليوم- وإن كان هناك اختلاف في الظروف، بحيث يؤكد ضروة الاستثمار في هؤلاء اللاجئين وتحويلهم الى "فرصة" ننطلق منها لتحقيق النمو والتنمية في المملكة، مستذكراً التجربة الألمانيّة باستضافة اللاجئين السوريين الذين قبلت المانيا فيها باستضافة أعداد معينة من السوريين الذين يتمتعون بخبرات وكفاءات، تساعد في نمو اقتصادها.
وأكد زوانة أنّ الأردن اليوم وبعد الحرب الأخيرة في غزّة ظهر دوره السياسي الكبير والمهم في المنطقة، وبالتالي "لا بدّ من البناء على هذا الدور الذي تمّ إحياؤه بالضغط على دول العالم، لدعم الأردن في ملف اللجوء".
ويشير كتاب "الانتقال الكبير" إلى أنّ الأردن وبالتعاون مع المجتمع الدولي، كان قد طور سلسلة من الخطط الوطنية للتكيف مع موجات اللجوء، وتربط هذه الخطط مجموعة من المحاور أهمها: دعم المجتمعات المستضيفة، بناء القدرات المؤسسية، ودعم اللاجئين. وهي تشمل قطاعات ومجالات عدة أبرزها: التعليم، والصحة، والمياه والصرف الصحي، والحماية الاجتماعية والعدل، والمأوى، والخدمات العامة التي تضم مشاريع الخدمات البلدية والحكم المحلي، والطاقة والنقل، والبيئة، وقطاع التمكين الاقتصادي الذي يضم التدخلات ذات العلاقة بالأمن الغذائي، وسبل العيش.
وقد وصفت هذه الخطط- وفقاً للكتاب- بأنها "أول استجابة من نوعها بقيادة وطنية، تجمع الاستجابات الخاصة باللاجئين والتنمية في خطة وطنية شاملة واحدة".
وأشار إلى أنّه برغم الجهد الذي بذله الأردن في هذا الإطار والتفهم الدولي لمتطلباته، والتقدير الكبير لدوره، إلا أن استجابة المجتمع الدولي للخطط الوطنية لتمكينه من توفير متطلبات اللاجئين، بقيت دوماً في مستوى أقل من المطلوب؛ إذ تلقت خطة الاستجابة لعام 2022 ما نسبته 33.4 % فقط من متطلباتها التمويلية، وفي عام 2021 حوالي 30.6 %، وفي عام 2020 حوالي 49.4 %، وفي عام 2019 حوالي 50.46 %، وفي عام 2018 حوالي 63.8 %، وفي 2017 حوالي 64.8 % وفي عام 2016 حوالي 62.1 % وعام 215 حوالي 35.8 %.
وشهدت الاستجابة الدولية لمساعدة اللاجئين السوريين في الأردن تراجعاً إلى أدنى مستوى في العام الماضي، بفعل الأزمة الأوكرانية وعوامل أخرى، فلم تتلق الخطة الوطنية سوى 24.2 % من متطلباتها التمويلية، في الوقت الذي تمسك فيه الأردن بالتزامه الإنساني، فهناك اليوم أكثر من 150 ألف طالب سوري مسجلون في النظام التعليمي الرسمي، ونتيجة لذلك، تعمل أكثر من 200 مدرسة في المملكة على نظام الفترتين، بينما ما تزال الصفوف الدراسية في معظم مدن وبلدات الشمال تعاني من الاكتظاظ.