رحلتي إلى جنة البحر الأحمر العقبةهيثم المومني بعد مفاوضات ومداولات بيني وبين زوجتي حول الجهة التي سنقضي فيها إجازة عيد الأضحى المبارك اتفقنا على أن تكون رحلتنا إلى جنة البحر الأحمر العقبة, وهنا دعوني أعرج قليلاً على زوجاتنا وحقوقهن في أن لا ننسى نحن الأزواج ان نترك وقتاً لزوجاتنا برفقتنا خارج جدران البيت, وان نحرص على أخذهن في رحلات إلى الأماكن السياحية سواء داخل الأردن أو خارجها, لأن الزوجة تتعب كثيراً وتتحمل الكثير من عمل خارج المنزل – ان كانت موظفة - وعمل داخل المنزل – طبخ وغسيل وجلي.. الخ – وكذلك تحمل زوجاتنا لمزاجيتنا نحن الأزواج وصراخنا المتكرر وطلباتنا التي لا تنتهي فلهن منا كل الاحترام وكان الله في عونهن, ولهذا كله يجب علينا أن لا ننسى هذه الزاوية وهي الترفيه عن زوجاتنا وأخذهن في رحلات سياحية. دعونا نعود إلى موضوعنا الرئيسي وهو رحلتي إلى العقبة فبعد أن قررنا أنا وزوجتي أن تكون ثغر الأردن الباسم العقبة هي وجهتنا السياحية لعطلة العيد ونظراً لارتفاع أسعار الشقق المفروشة في العقبة - التي لا يتحملها الكثير من المواطنين الأردنيين-, وكذلك لصعوبة الحصول على غرفة فندقية اثناء فترة العيد ذلك لأن اغلب الفنادق تكون محجوزة في العيد, ولكي لا نرهق أنفسنا بسواقة السيارة لثمان ساعات سفر من وإلى العقبة, رأينا أن نحجز مع مكتب سياحي ينظم رحلات سياحية إلى العقبة, ويقوم هذا المكتب بالتكفل بمواصلاتنا وتأمين سكننا في العقبة بالإضافة إلى برنامج ترفيهي اثناء وجودنا في مدينة العقبة ولمدة ثلاث أيام وليلتين, إلا ان هناك بعض الملاحظات على هذا المكتب منها عدم الالتزام بالوقت فمثلاً كان اتفاقنا مع المكتب أن ينطلق الباص الساعة السابعة والنصف ولكن ما حصل ان الباص انطلق الساعة الثامنة والنصف أي تأخير ساعة كاملة, وملاحظة أخرى انه عندما ركبنا الباص كنت قد حجزت وزوجتي في المقعد الأمامي للباص, ولكن لأن الدليل السياحي الذي يرافقنا يريد أن تجلس إحدى العائلات (الفايعه) والتي تربطها علاقة ما معه في المقعد الأمامي اضطررت أنا وزوجتي أن نجلس في المقعد الثاني إرضاء للدليل السياحي وللحسناوات بنات العائلة المحسوبة على الدليل الذي رافقنا في رحلتنا إلى العقبة, واكتفى الدليل باعتذار أمام الجميع مني لأنه يعرف انه مخطئ وانه أخلّ بالعقد الذي بيني وبين المكتب السياحي الذي يعمل لديه, كما ان هناك ملاحظة أخرى على المكتب السياحي وهي ان اتفاقنا معه كان أن تكون الرحلة بباص جت سياحي حديث ولكن تفاجئنا بأن الباص جت وسياحي ولكنه ليس بالحديث. لم تكن طريقنا إلى العقبة طويلة وذلك لأن دليلنا كان خفيف الظل وبقي طوال الطريق يروي لنا القصص والحكايات والطرائف, وقام كذلك بإشراك بعض ركاب الباص معه, فمنهم من غنى ومنهم من ألقى طرفة أو حزيرة, ومن حظنا الحسن انه كان معنا في باص الرحلة أحد الركاب المتميزين اسمه كايد العبادي (أبو عباد), وكما فهمت فهو من نشامى الأمن العام, وأبو عباد لا نبالغ إذا قلنا انه أفضل من موقا كوميدي في ان يجعلك تضحك وتضحك من قلبك, فهو موسوعة من الطرائف التي لا تنتهي, وكذلك هناك أحد الفتيات خفيفات الظل التي كانت تنافس أبو عباد في إمتاعنا بنكتها, ومع انها لم تتجاوز الستة عشر سنة إلا انها كان لها كاريزما قوية واستطاعت ان تنافس أبو عباد في طرائفها وحزازيرها, استمرت رحلة الذهاب إلى العقبة مدة خمسة ساعات ونصف مع انه المفروض أن لا تتجاوز الأربعة ساعات إلا اننا لم نحس بهذا الوقت نتيجة للتسلية التي حصلنا عليها من الدليل السياحي وأبو عباد وآخرين, ومن الأشياء التي لفتت انتباهي أيضاً في الباص اثناء ذهابنا إلى العقبة وطنية دليلنا السياحي واعتزازه بأردننا الحبيب, فقد قام اثناء الرحلة بتقديم إيجاز صغير عن الأماكن السياحية في الأردن, وركز في إيجازه على بعض المناطق السياحية المنسية -واسمحوا لي ان أقول عنها منسية- مثل اشتفينا (منطقة شجرية في عجلون), وبرقش (منطقة شجرية في إربد), والتي ينظم مكتبهم السياحي رحلات سياحية لها وبأسعار جيدة. في طريق ذهابنا إلى العقبة وعند وصول باص رحلتنا إلى جمرك العقبة طلب منا الدليل السياحي ان نجهز هوياتنا وجوازات سفرنا للتفتيش, والحمد لله كانت إجراءات التفتيش سريعة من قبل نشامى الأمن العام مشكورين ولم يؤخرونا, وللعلم فقد كان في السابق أفراد قواتنا المسلحة هم من يقومون بمهمة التدقيق على هويات الركاب الذين يدخلون للعقبة ولكن يظهر ان الحكومة ارتأت مجدداً أن يقوم جهاز الأمن العام بمسك زمام الأمور في جمرك العقبة, وأنا أؤيد ذلك لعدة أسباب منها مع احترامي الكبير لجنود قواتنا المسلحة فإن مرتبات الأمن العام تبقى أكفأ وأقدر على هكذا مهمة وكذلك يبقى تعاملهم ألطف مع المواطنين, وهذا بحكم تعاملهم المستمر مع الجمهور في مناطق المملكة المختلفة, وكذلك فإن وجود نقطة جيش تفتش في الجمرك قد يستهجنها الكثيرون لأن هذه منطقة اقتصادية خاصة جاذبة للسياحة وليست منطقة عسكرية خاصة. بعد جمرك العقبة بما يقارب الربع ساعة أول ما رأينا هو قرية أم الرشراش الفلسطينية – ايلات المغتصبة من الكيان الصهيوني..- وبعدها أطلت علينا مدينة العقبة بجمالها وسحر بحرها فانشرحت قلوبنا وابتسمت شفاهنا برؤية العقبة, وما أن دخلنا المدينة ووصلنا الفندق حتى قام دليلنا بتسكيننا واطمأن على ان كل أمورنا على خير ما يرام. برنامج رحلتنا إلى العقبة مع المكتب السياحي مدته ثلاث أيام وليلتان, يتضمن العديد من النشاطات منها الصعود بالباخرة ليلاً في أول يوم ولمدة ثلاث ساعات مع وجبة عشاء وحفل دي جي راقص, أما في اليوم الثاني فأخذونا إلى الشاطئ الجنوبي والى محطة العلوم البحرية, وبعدها أعطونا وقت حر لنستطيع التسوق والتمتع بأسواق العقبة الشعبية, وفي ليلة اليوم الثاني كان هناك سهرة مع عشاء في أحد المطاعم المعروفة في العقبة, أما في اليوم الثالث (الأخير) فقمنا بتسليم غرفنا وأعطونا وقت حر لنتسوق ومن ثم أخذونا إلى شويخ مول والقرية الصينية وهنا انتهى برنامج رحلتنا ورجعنا إلى عمان. اثناء وجودنا أنا وزوجتي في العقبة قررنا في اليوم الثاني أن لا نلتزم ببرنامج الرحلة وان نذهب مع إحدى مراكز الغوص اسمه (Dive Aqaba) لنمارس رياضة الغوص, فانطلق بنا قارب الغوص الساعة التاسعة صباحا ورجع الساعة الرابعة عصرا, وقد كانت رحلة جميلة جداً تخللها وجبة غداء وغطستين في البحر واحدة بالقرب من متنزه العقبة البحري والأخرى بالقرب من موقع الدبابة –وهو موقع غطس مشهور- وكم كانت جميلة رحلة قارب الغوص, والأجمل منها عملية الغوص والسباحة مع الأسماك ورؤية الأحياء البحرية, وما يلفت انتباه الشخص الذي يقوم بالغوص بالقرب من الدبابة ان هناك أنواع من السمك في الدبابة قد احتلت الدبابة وهي لا تتردد في ان تهاجم كل من يحاول أن يدخل إلى الدبابة حتى الغواصين, للعلم هذا النوع من السمك صغير جدا أصغر من كف اليد وهو غير مؤذي ولكن سبحان الله فهو يعتبر ان الدبابة هي بيته وهو يقوم بالدفاع عن بيته إذا دخله غرباء, وقد بعث مركز الغوص معنا غواصين من أكفأ الغواصين على مستوى العالم وهم من الجنسيتين الأردنية والبريطانية وقد استمتعنا معهم جداً واستمتعنا كذلك بغداء الشيف معتز (موزا) –كما يحب ان يُلقب- وكانت رحلة بحرية جميلة جداً. ثلاث أيام وليلتان حقاً من ليالي العمر في مدينة العقبة, وأنا متأكد ان جميع من أتوا معنا وحتى جميع من دخلوا العقبة كانوا يتمنوا أن يبقوا أكثر من ذلك بكثير ليستمتعوا أكثر ببحر العقبة ورمالها وبمطاعم أسماكها وبأسواقها وبازاراتها وبآثارها ورحلاتها السياحية وسهراتها الليلية وجوها الدافئ الجميل, وكان الجميع في الباص لحظة تجمعنا لمغادرة العقبة كئيبا لأنه سوف يغادر العقبة ولأن الأيام مرت بسرعة, حتى ان الدليل اثناء رجوعنا وقبل أن يغادر الباص العقبة سأل الركاب ان كانوا يريدون شيئا قبل أن نتحرك من العقبة, فقامت إحدى الفتيات اللواتي معنا وقالت أنا لي طلب, وعندما سألها الدليل عن طلبها, طلبت أن تبقى في العقبة من شدة حبها وولعها في العقبة التي تولدت فقط خلال ثلاث أيام. والحمد لله كما استمتعنا في الباص في قدومنا إلى العقبة كذلك حصل في رجوعنا إلى عمان فدليلنا وأبو عباد وآخرون امتعونا طوال الطريق بحكاياتهم وطرائفهم, حتى اننا لم نحس ان الطريق أخذت ست ساعات من العقبة إلى عمان, طبعا بعد الوقوف على جمرك العقبة حيث قام موظفون الجمارك بتفتيش الباص وكانوا على درجة كبيرة من المسؤولية وكان تعاملهم لطيف جداً معنا ولم يقف الباص أكثر من خمس دقائق في الجمرك فلهم منا كل الشكر والتقدير. وكذلك فإن هناك وقفة للباص في القطرانة عند إحدى الاستراحات لكي يتسنى لمن يريد أن يشتري أو يأكل شيئا أو يدخل الحمام. نعم لقد تمنينا لو اننا لم نرجع من العقبة وبقينا وقت أطول هناك, فهذه المدينة هي جنة البحر الأحمر, ونشكر مفوضية سلطة العقبة الاقتصادية على اهتمامهم بهذه المدينة لتصبح على ما هي عليه الآن, وطبعاً الشكر الأكبر والأول لسيد البلاد الملك عبد الله الثاني لأن العقبة هي رؤية وإرادة ملكية سامية, فلمليكنا كل الشكر والحب.