اذكر انه في بداية التسعينات قال الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد في مقابلة مع إحدى الصحف الغربية ما معناه "اننا نعمل ما يزيد عن ست عشرة ساعة يوميا ونبقى في مكاتبنا كل هذا الوقت نتحمل ضغوطا نفسية لا يتحملها الناس العاديون ومازح محاوريه بأن زعماءكم في الغرب يخففون من ضغوطهم النفسية بإرسال طائراتهم وصواريخهم إلينا" وعندما قرات هذا النص احسست وقتها بالتعاطف مع حكامنا فهم لا ينامون الليل من اجل الشعوب ويتحملون من الضغوط ما لا تقوى على حمله الجبال ولكن اذكر أيضا انه راودني كلاما وشعورا اخر قلت في نفسي طيب الرئيس الاسد له الان ما يزيد عن عشرين سنة على كرسي الحكم فإذا كانت الرئاسة مغنما فيكفيه ما ناله منها كل هذه السنين وإن كانت مغرما(وهذا ما كان رأيه في هذه المقابلة) فعليه أن يعافاها هو بنفسه بأسرع وقت .
ترى لو أن احدا امتلك جرأه غير عادية في ذلك الوقت وقال للرئيس الاسد "السيد الرئيس لقد قدمت للشعب والامة الشيء الكثير ونشكرك على ذلك فما رأيك ان تخلع هذا الكرسي اللعين بنفسك وتعيش معززا مكرما وسيبني لك الشعب تمثالا ابديا يحفظ لك مكانتك على مدى التاريخ" طبعا الجواب كما هو معروف أن الرجل بقي متمسكا بالسلطة سنوات اخرى طويلة ولم يتنازل حتى وفاته سنة 2000 .
ما يثير الاهتمام أيضا أن الرئيس رتب الامور قبل وفاته وبهدوء لافت كي تنتقل السلطة فورا ودون مشاكل إلى ابنه الرئيس الحالي بشار الاسد الذي لم يكن ينطبق عليه شرط السن ليتسلم الرئاسة لكن مجلس "الشعب " السوري كان حاضرا وجاهزا وقام بالمهمة في ربع ساعة ليس أكثر ولتكن مجالس الشعب هكذا فقد اقتضت "مصلحة الوطن "ذلك سريعا.
لقد سن الرئيس السوري الراحل وقتذاك سنة لاقت صدى كبيرا ومذهلا عند العديد من زعماء العرب فأصبحت قضية التوريث لديهم اهم من حياة الملايين وأهم من البلد ونموه وتطوره وصارت الدولة بكل ما فيها ليست أكثر من مزرعة للزعيم واسرته ومن يدور في فلك الاسرة العظمية التي لا يمكن ان يحكم البلد غيرها وإلا ضاعت البلاد والعباد.
وفي الوقت الذي كان فيه الواحد منهم يلمع ويحضر الوريث هبت رياح التغيير ولكن هذه المرة كانت عاصفة لا جدوى من الوقوف في وجهها فأطاحت بالكراسي وبأفكار التوريث بل كان التغيير صادما ومهينا.
لقد كتب صحفي أردني على ما أظن كان اسمه الغرايبة يوما مقالا بعنوان "من يزيد إلى بشار " وما زال التوريث مستمرا ترى في ضوء ما يحدث الان في سوريا هل الرئيس بشار الأسد الان يعيش أسعد ايامه في السلطة؟ هل حقق له التوريث السعادة والكرامة؟
كنا نتمنى لحكامنا ان تكون لهم نهايات كريمة بعيدة عن كل هذه السيناريوهات المرعبة التي تحدث اليوم وكنا نتمنى عليهم ان يكونوا بأنفسهم قادة التغيير لينهضوا ببلدانهم وشعوبهم ويجنبوا أنفسهم وبنيهم وشعوبهم ما يحدث الان وأمضوا ما بقي لهم من عمر في عزة وكرامة وتقدير بين أهلهم وابناء شعبهم.