شددت «ميمها» أم مددتها، ضممت عينها أم أرخيت جدائلها، لعَمّان وعُمان مكانة خاصة في القلب، ليس فقط في ناظري مواطنيها، بل ساكنيها وزوارها أيضا.
أول عهد لي -وجها لوجه- بسلطنة عُمان الشقيقة كان عبر سفرائها إلى أمّ الجامعات الأردنية. ما كانوا مجرد طلبة في الجامعة الأردنية. وما كنا -في ثمانينيات القرن الماضي- نعرفهم من خلال الزي الوطني الذي تمسكوا به في حلهم وترحالهم، في مناصبهم وخارجها، بل عرفناهم في خلقهم الرفيع وأدبهم الجمّ ومعشرهم الطيّب.
معرفتنا المذهبية كما العرقية أو الإقليمية كانت صفرا، فالناس في الجامعة الأردنية كلهم أخوة زملاء، فيهم الكثير من الأصدقاء والجيران والأقارب،»من عظام الرقبة» ليس قدرا محصورا بالأقارب والأنساب. لكن العلّامة الأردني البلقاويّ السلطيّ، الأستاذ الدكتور «بروفيسور» سحبان خليفات رحمة الله عليه، كشف لنا سرا من أسرار الدولة والمجتمع والعشائر العُمانية تاريخيا، وهو اعتدالها ووسطيتها وسماحتها قبل قرون من موضة «العيش والتعايش» وما بينهما! العظَمة السلطانية بلغت العالم الجديد قبل أن يعرفه البحار كريستوفر كولومبوس، وبعيد أن أرسي «العم سام» قواعد البناء فيما صار أعظم منارات وقلاع الحريات وحقوق الإنسان في العالم، رغم كل ما قيل ويقال في السياسات الأمريكية داخلية أم خارجية.
لم أكن أعرف عن الإباضيّة شيء، ولمّا درست وعرفت ثارت في نفسي تساؤلات وأسئلة عن أثر الثراء المعرفيّ خاصة الروحي، في إنضاج التجارب الوطنية رغم الفارق بين تجربتي إخوتنا من أتباع المذهب الإباضي في كل من سلطنة عُمان والجمهورية الجزائرية الشقيقتين.
عبّر الأردن رسميا وشعبيا في الأيام القليلة الماضية عن محبته لعُمان وللعمانيين خلال الزيارة السلطانية الأخوية، وقد حل الهيثم سلطانا وأخا عزيزا بين الأردنيين المحتفلين بقدوم جلالته ضيفا على سيدنا جلالة عبدالله الثاني، لكني -وقد تابعت تفاصيلها وتفاعل الشعبين معها عبر منصات التواصل الاجتماعي- أدركت أهمية المثل القائل «الانطباع الأول يسود»، لأنه هكذا بالفعل.. وما هي إلا أمانة في أعناقنا خاصة في القطاع الخاص، بأن يتم البناء على هذه الأخوّة من شراكة حقيقية تعود بالخير على البلدين وتدوم أجيالا وتلهم إخوة لنا وجيرانا، في أن سر العلاقات الثنائية يكمن في الناس الأصائل لا المصالح ولا مظاهر القوة، بما فيها السلطة والمال والنفوذ والجاه. سيرة قائدي البلدين الراحلين العطرة، الحسين وقابوس طيب الله ثراهما، أكثر ما تميزت به البساطة والصدق في التعبير عما هو أصيل دائم لا عابرا طارئا. «ما يمكث في الأرض» هو ما ينفع الناس، كل الناس كما أراد رب الناس أجمعين من عباده الصالحين، وفي مقدمتهم من يتصدون لخدمة أوطانهم ومرضاة الله، داخل المنصب وخارجه..