خلال مقابلة سمو ولي العهد الأمير حسين بن عبدالله الثاني، قال سموه بأنه يحق لأي مواطن الاعتزاز بأصوله، لكن المهم أن يكون «أردنيا»، وهذا كلام قد يقوله الجميع لكنه مختلف حين يصدر عن جلالة الملك أو عن سمو ولي العهد، ولا أخفيكم سرا بأن هذا المطلب «كن أردنيا»، هو الذي تدور حوله كل مقالاتي في هذه الزاوية، فلا غضاضة ولا جريمة أن تتبنى كل قضايا الكون، وتترسخ في ذهنك وعقلك ونشاطك قناعات معينة حوله، حتى وإن اختلفنا معها، فهي لا تلغي أن تكون مواطنا أردنيا حقيقيا، يعتبر الأردن وطنه ومستقبله، ويذود عنه كما يذود عن بيته وعائلته، فهكذا يتصرف كل المواطنين من كل الشعوب تجاه بلدانهم..
الانفصام عن هذه الحقيقة الطبيعية، موجود في الأردن، نلمسه دوما، وعلى الدوام تقف خلفه قوى وجهات وأجندات وحسابات كثيرة، وتمارسه في كل مرة لأنها تغنم من ورائه، وتبتزنا جميعا.. لذلك لا يكاد توجيه ملكي واحد يخلو من ضرورة التماسك لمواجهة كل التحديات، وكلام سمو ولي العهد حول الالتزام بالوطن والوفاء له والانتساب إليه، هو أيضا في الاتجاه نفسه، فلا خطر قد «يبطىء» من المسيرة الأردنية، سوى أن يقوم بعض « أبناء الوطن وحملة هويته» بالتنكر لوطنهم وبيتهم، ويتخلون «غفلة أو غباء» عن وطن لم يبخل عليهم ولم يبخسهم حقا ولا حرية، ولم يقامر بأمنهم واستقرارهم وحيواتهم وما ملكوا، كما نشاهد في دول أخرى .. ولا شيء يخفى على ذي عين أو عقل، لكن مواطني هذه الدول لم يتنكروا لبلدانهم ولم يتخلوا عن هوياتهم وقضاياهم ومستقبلهم مراهنة على مغامرات وصراعات خارجية.
لا نقول بأن وضع الأمة والدول العربية «محترم»، لكن وضع الأردن مختلف، فهو كله عزة وفخر وتحد وصمود، وعطاء وبناء وتضحية وعناء مقدس، والتزام بالعروبة والأخلاق المثلى رغم نكوص الغالبية عنها، وهذا ليس موقفا أردنيا نادرا أو فريدا، بل كل سياسة الأردن هكذا، فلا شيء يخجل منه الأردني أن يقول هنا الأردن، وهناك آخرون، لهم مواقفهم وأحلامهم وأجنداتهم، أما هنا فلا نزايد على أحد ونقف مع العرب ومع فلسطين ومع كل القضايا العادلة، ولا ننساق خلف النزاعات الفئوية والدولية ونتاجر بهويتنا وتاريخنا.
كن أردنيا؛ عنوان وقانون، وهكذا يجب أن يكون في ذهن كل مواطن أردني، فهذا بلده ووطنه، ولا أحد يصادر منه هذا الحق سوى هو نفسه، حين يتنكر للوطن وللهوية، ويبخس الأردن مواقفه وتضحياته، ويلغي ويقصي كل من لا يقتنع بوجهة نظره، ويجب أن نقول «كن أردنيا قويا» أيضا، فهذا الوطن يحتاج منا جهدا أكبر لنبنيه ونحميه، فكل الدوائر «تدور حوله»، وتتربص به، وإن بقي أحد يساوره شك في هذا الخطر المحدق بالأردن، فهو لا شك لا يفهم شيئا مما يجري، فالبلد الذي واجه كل مخططات تصفيته، وكل حملات الرفض لوجوده على الخارطة، وتعاملت قيادته بكل موضوعية وحكمة «موسوعية» مع هذه التحديات، وحافظت على الأردن، بل وحفظته بأمانة وبنت فوق ترابه « كل» مداميك العمران والتحضر والقانون، وفرضت احترام الأردن على العدو قبل الصديق..
إن أخطر ما يهدد الاستقرار الداخلي في أي بلد، هو الفساد، الذي يدفع الناس للتخلي عن كل واجباتهم، ويكون الفساد أخطر ما يكون حين يستقر في نفوس المواطنين العاديين، ويصبح فلسفة حياة، وعنوان تعامل، وتزداد خطورته حين تحركه العواطف التي تتعرض لعصف موجّه من قبل قوى تعمل في الخفاء، فتثير عواطف البسيطين والفاسدين، وينقسم الآخرون بين مؤيد ومعارض ..ولم تبل بعد تلك «الإسطوانات» التي تدور في بلدنا كلما هبت عاصفة شرقية أو غربية عالمية أو إقليمية..
فكن أردنيا وكفى.