هذا هو السؤال المطروح اليوم في كثير من وسائل الاعلام الامريكية وخصوصا مراكز الدراسات والمحللين والمهتمين بهذا الشأن، لما لنتائج الانتخابات الرئاسية الامريكية من تأثير على دول العالم كافة.
المعروف تاريخيا أن اليهود الامريكان أقوى تأثيرا في نتائج الانتخابات الامريكية من العرب والمسلمين الامريكان.. ولهذا أسبابه العديدة التي سأتطرق لها في هذا المقال.. لكن هناك دراسات وتحليلات تشير إلى أنّ الانتخابات هذا المرّة مختلفة ولن تكون كما كلّ مرّة لأن تداعيات الحرب على غزّة لم تكن متوقعة، ولذلك سيكون لها تأثير مهمّ على نتائج الانتخابات التي بقي على موعدها أقل من ستة أشهر.
الإجابة عن هذا السؤال مهمة لأننا بتنا نشهد تأثيرها ولو من خلال تغيير (الخطاب الاعلامي الأمريكي) تجاه ما يحدث في غزة- كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية -..ولكن قبل الخوض في التفاصيل أذكّر بما يلي:
1 -كتبت في هذه الزاوية ومنذ البدايات ولأكثر من مرّة أن العدوان الاسرائيلي على غزّة مستمر حتى الانتخابات الامريكية لعدّة أسباب: أولها أن نتنياهو يريد اطالة أمدها لمصالحه الشخصية ولأنه حتى وهو يتمنى فوز حليفه ترامب في الانتخابات القادمة على يقين بأن بايدن لن يتخلى عنه، ولأن الامريكان أيضا يريدون تحقيق نصر يعوّض الاخفاق في مواجهة روسيا بحربها ضد أوكرانيا، وحتى الاخفاق بتحقيق نصر «تجاري» على الصين.
2 -العدوان على غزّة يشكّل فرصة لاكتساب أصوات اليهود المؤثرة في الانتخابات الامريكية من قبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري..لذلك يتسابق الحزبان على تقديم ما فوق الممكن لدعم اسرائيل.
3 -ما لم يكن في الحسبان داخل امريكا ثلاثة أمور:
أ)- ظهور تيار تقدمي داخل الحزب الديمقراطي ضد دعم الادارة الامريكية لحرب الابادة في غزة.
ب)- ثورة الجامعات وانعكاساتها على الداخل الامريكي.
ج)- استدارة الامريكان العرب والمسلمين الذين كانوا مع الديمقراطيين في الانتخابات الماضية نحو الجمهوريين بسبب الحرب على غزّة.
*وحتى نعرف طبيعة الانتخابات الامريكية وموازين القوى بين أصوات اليهود وأصوات العرب والمسلمين نشير إلى الحقائق التالية:
1 - كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري يدعمان اسرائيل بالمطلق، «ودعم اسرائيل ونصرتها لم يكن يوما عنصر خلاف بين مرشحي الحزبين للانتخابات الرئاسية على مرّ العقود الماضية».
2 -أغلب اليهود الأميركيين عادة ما يصوّتون لصالح الحزب الديمقراطي ومرشحه للبيت الأبيض.
3 - ..لذلك فانّ غالبية المؤشرات تؤكد بأن أغلبية اليهود سيصوتون لصالح بايدن، رغم أن ترامب يعد أكثر الرؤساء الأميركيين انحيازا لإسرائيل.
4 - عدد اليهود الأميركيين يقدّر بنحو 6.3 ملايين شخص بما نسبته 1.9 % من إجمالي الأميركيين، إلا أنهم يملكون 36 من أعضاء الكونغرس (بنسبة 7 %) و(9 %) من أعضاء مجلس الشيوخ، وكلهم يتبعون الحزب الديمقراطي، و27 نائبا بمجلس النواب، 25 منهم ديمقراطيون، وعضوان فقط ينتمون للحزب الجمهوري.
5 - ينتشر اليهود الأميركيون في كل الولايات الخمسين، ولا تتعدى نسبتهم 1 % من سكان الولاية إلا في حالات نادرة.
6 - في المقابل يشكل الامريكيون العرب والمسلمون -وفقا للمعهد الامريكي العربي- نحو3.7 مليون شخص وينتشرون جغرافيا في مختلف الولايات الامريكية ( 90 %) منهم في أكبر 6 «مناطق حضرية ».
7 - تأثير التيار الاسرائيلي تاريخيا أقوى من تأثير الامريكيين العرب والمسلمين لأن اليهود الامريكان أكثر تنظيما وحرصا على المشاركة في الانتخابات (85 % من اليهود الامريكيين يشاركون بالانتخابات)..لكن كلا الفريقين (العرب والمسلمين/ و/ اليهود) تكمن قوة تأثيرهما في ما تعرف بالولايات «المتأرجحة».
8 - ثلثا أصوات العرب والمسلمين الامريكان في الانتخابات الماضية صوتت لصالح الرئيس الديمقراطي بايدن في حين تشير آخر الاستطلاعات اليوم الى تراجع كبير بنسبة 42 %.
9 - حتى الآن صوت الامريكان العرب والمسلمين غير مؤثّر كما الصوت اليهودي المنظّم من قبل جماعات العمل السياسي والضغط وفي مقدمتهم «الأيباك» والتي رصدت مؤخرا نحو 100 مليون دولار لاسقاط النواب والشيوخ الداعين لوقف الحرب على غزة.
10 - العوامل التي تؤثر بنتائج الانتخابات الامريكية كثيرة ومعظمها شؤون داخلية، لكن المختلف هذه المرّة أن العدوان الاسرائيلي على غزّة حرّك الشارع الامريكي وهو ما أجبر كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري المنحازين تماما لاسرائيل على تغيير لغة الخطاب، والحديث عن البعد الانساني في العدوان على غزّة، وعودة الحديث عن حلّ الدولتين، وكل ذلك تحسبّا منهما بامكانية تأثير الصوت الامريكي العربي الاسلامي هذه المرّة في الانتخابات، خصوصا وأن تلك الأصوات تتمركز في أهم (5) ولايات متأرجحة، تقدّر أصواتها بـ 75 صوتا من أصل 538 صوتا.
*باختصار: العدوان على غزّة، والجرائم التي ترتكبها اسرائيل جعلت القضية الفلسطينية على أولويات برنامج الحزبين الديمقراطي والجمهوري في هذه الانتخابات ربما لأول مرّة، وهو ما يمكن البناء عليه الآن وبعد الانتخابات الامريكية مهما كانت نتيجتها.