د. فاطمة النشاش - يشكل الإدمان تحديًا كبيرًا للصحة العامة والمجتمعية، وغالبًا ما يُعزى هذا التحدي إلى مجموعة من العوامل البيولوجية والاجتماعية والنفسية، لكن هناك عامل مهم قد يغفل عنه الكثيرون، وهو تجارب الطفولة الصادمة، هذه التجارب التي قد تشمل الإساءة الجسدية والعاطفية، والإهمال، والعنف المنزلي، يمكن أن تترك آثارًا دائمة على الفرد وتزيد من احتمالية وقوعه في دوامة الإدمان. وتشمل تجارب الطفولة الصادمة مجموعة واسعة من الأحداث المؤلمة التي قد يتعرض لها الأطفال في سنواتهم الأولى، مثل الإساءة الجسدية والعاطفية، الإهمال، التعرض للعنف المنزلي، والفقدان المفاجئ لأحد الأحبة، غالبا فإن الأطفال الذين يواجهون مثل هذه الصدمات يعانون من آثار نفسية عميقة تؤثر على تطورهم العاطفي والنفسي.
تترك الإساءة الجسدية والعاطفية للأطفال ندوبًا نفسية عميقة تؤثر على كيفية تعامل الأطفال مع التحديات والضغوطات في مراحل لاحقة من حياتهم، يشعرون بالعجز والخوف، مما يؤثر على تقديرهم لذاتهم وقدرتهم على الثقة بالآخرين، فيكبرون وهم يحملون مشاعر الغضب والإحباط، وقد يلجؤون إلى الإدمان كوسيلة لتخفيف الألم النفسي أو للهروب من الواقع القاسي. الإهمال العاطفي، من جانبه، يجعل الأطفال يشعرون بعدم الأهمية والرفض، مما يمكن أن يؤدي إلى صعوبات في إقامة علاقات صحية في المستقبل، هذا الشعور بالوحدة والفراغ يمكن أن يدفعهم نحو الإدمان كوسيلة لملء هذا الفراغ العاطفي.
كما أن التعرض للعنف المنزلي يعد أيضًا من التجارب الصادمة التي تترك آثارًا نفسية طويلة الأمد، فالأطفال الذين يشهدون العنف يعيشون في بيئة مليئة بالخوف والتوتر، مما يجعلهم عرضة للاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب، عند بلوغهم سن الشباب، قد يبحثون عن الراحة في المواد المخدرة أو الكحول كوسيلة للتعامل مع مشاعر الرعب وعدم الأمان المستمرة، بالإضافة إلى ذلك، الفقدان المفاجئ لأحد الأحبة يمكن أن يكون تجربة صادمة تؤدي إلى شعور عميق بالحزن والفقدان، مما يزيد من خطر اللجوء إلى الإدمان كطريقة للتعامل مع الألم العاطفي.
إن تجارب الطفولة الصادمة لها تأثير عميق ودائم على الأفراد، وقد تدفعهم نحو مسارات خطيرة مثل الإدمان كوسيلة للتكيف مع الألم النفسي، ويعد فهم هذه العلاقة خطوة مهمة في تطوير استراتيجيات فعالة للوقاية والعلاج؛ من خلال التدخل المبكر وتقديم الدعم النفسي للأطفال والشباب الذين مروا بتجارب صادمة، يمكننا تقليل خطر وقوعهم في دوامة الإدمان في المستقبل. كما يجب على الأهل والمعلمين والمجتمع توفير بيئة داعمة لهم، حيث يشعرون بالأمان والقبول، الاستماع إلى مشاكلهم ومخاوفهم دون الحكم عليهم يعزز الثقة ويساعد في كشف المشكلات قبل أن تتفاقم، وتعليم مهارات التعامل مع الضغوط وحل المشكلات يمكن أن يساعدهم في إدارة مشاعرهم بشكل صحي، بالإضافة الى برامج التعليم العاطفي والاجتماعي، كما أن تعزيز العلاقات الإيجابية مع الأصدقاء والأهل يمكن أن يوفر للشباب شبكة دعم قوية تساعدهم في التغلب على مشاعر العزلة واليأس. لنكن الجيل الذي يقدم الأمل والدعم لشبابنا، ونعمل معًا لبناء مجتمع أكثر صحة وأمانًا، حيث يمكن للشباب تحقيق إمكانياتهم الكاملة والنمو في بيئة آمنة وداعمة.