ملف التحولات الجيوسياسية وتأثيرها على الأردن، من أبرز الملفات التي نواجهها هنا، وهذه التحولات ليست جديدة، لكنها تشتد هذه الفترة لاعتبارات مختلفة بما فيها حرب قطاع غزة.
في جلسة حوارية حساسة عن التحولات الجيوسياسية وتأثيرها على الأردن في منتدى "تواصل 2024 " الذي أطلقته وتديره مؤسسة ولي العهد، يوم السبت الماضي في جهد مقدر ومثمن، أدرت هذه الجلسة مع نخبة من الأسماء المهمة، صلاح الدين البشير وزير الخارجية الأسبق، سميح المعايطة وزير الإعلام الأسبق، ود. حسن المومني عميد كلية الأمير الحسين بن عبدالله للدراسات الدولية في الجامعة الأردنية، والدكتور حسين الشبلي أمين عام الهيئة الخيرية الهاشمية، والحوار كان متنوعا، وكان حافلا بأراء مختلفة، وسط تحشيد شبابي لافت.
في كل الأحوال أصبح المنتدى منصة أردنية تعزز الإيجابية، وتبحث أبرز التحديات، وتقوم بالتجسير بين صناع القرار والرأي العام في الأردن بمن فيهم قطاع الشباب، وتفتح الآفاق لأفكار متعددة، خاصة، أن التصويت الإلكتروني أيضا من الحاضرين على أسئلة منتقاة تؤشر على طريقة تفكير الأردنيين، خاصة، الأجيال الجديدة التي سترسم مستقبلنا.
بين سؤال وجواب، ومقاطعات تتسم باللياقة من هنا وهناك، كانت الجلسة ديناميكية وصريحة، ولعل من أبرز الخلاصات التي خرجنا بها من النقاش المستفيض، أن التحولات الجيوسياسية بسبب ملفات الحرب في غزة، وملفات سورية والعراق، والأخطار الإقليمية والصراعات والقوى اللاعبة في المنطقة مثل إيران، والمهدد الإسرائيلي وغير ذلك هي تحولات حقيقية، ولا يتم توظيفها محليا من أجل ضبط الداخل الأردني، ولا توجد مبالغة في سردها أو محاولة الاستفادة منها لتبرير أي ظروف داخلية، وهذا استخلاص مهم، لأن هناك أراء تقال أحيانا ان هناك عمليات تضخيم متعمدة للاخطار الجيوسياسية بهدف ضبط الداخل الأردني.
وعلى الرغم من الاستخلاص السابق، أكد نصف المصوتين خلال الجلسة الذين كانوا يستعملون أجهزة الموبايل للتصويت المباشر، أن التحديات الاقتصادية داخل الأردن ليست وليدة فقط للمخاطر الجيوسياسية، أو بسبب تأثيرات الأزمات حولنا، حيث يرى النصف هنا أن الواقع الاقتصادي سببه عوامل محلية بحتة، بمعزل عن الضغوطات الجيوسياسية.
النقطة المهمة الثانية التي تم الاجماع عليها تتعلق بالأردن، والكل تحدث عن ضرورة صون الأردن وحمايته، وعدم التفريط به أمام كل ظروف جواره خاصة مع تجارب شعوب دول الجوار، مع الإشارة هنا إلى أن الأردن استطاع تاريخيا الحفاظ على نفسه وسط أزمات الجوار، والمهم هنا القاسم المشترك في الكلام حول أن التركيز على الداخل الأردني عامل أساسي في صد الأخطار الخارجية والتخفيف منها، وهذا الداخل لديه مشاكله وتحدياته التي يتوجب التعامل معها كون الجبهة الداخلية -إذا جاز التعبير- هي عنصر القوة الأول، في وجه أي تحولات جيوسياسية، أو أخطار، أو مؤامرات، وهذا يعني أن الداخل القوي المتماسك هو الأقدر على التعامل مع كلفة الأخطار الجيوسياسية، وكل هذه التحولات.
هذه النقطة تم إلحاقها بكلام أساسي حول أن صون الأردن وإدامته لا يتعارض أصلا مع أي دور قومي، والدعوة لأن يبقى الأردن قويا لا تعبر عن تجاوز لأزمات الآخرين أو محنهم.
النقطة الثالثة المهمة تتعلق بملف فلسطين، وقطاع غزة، وثنائية التاريخ والجغرافيا بين الأردنيين والفلسطينيين، والمهددات في الضفة الغربية، والدور الإغاثي والإنساني الذي يبذله الأردن، إضافة للدور السياسي، والاتصالات، ومحاولات تشويه سمعة الأردن وانتقاصه من جانب قوى خارجية مختلفة، واتجاهات محلية، تتطاول بألسنتها على الأردن حصرا، وتعفي غيره من أي مسؤولية، في سياقات باتت تستهدف الاستقرار الداخلي، وخلخلة الأردن، والإجماع هنا كان يتمحور حول أن المهددات هذه المرة أعلى من كل مرة، والأزمة حادة وتختلف عن أزمات سابقة، وأن الأردن يعتبر القضية الفلسطينية قضيته كما أشار ولي العهد في مقطع من مقابلته مع قناة العربية، تم إعادة بثه خلال الجلسة الحوارية، وهو كلام يتطابق مع إدراكات متعددة المصادر حول أن قضية فلسطين قضية أمن وطني للأردن.
النقاش كان حيويا، وخلاصته تقول إن الأردن يجب أن يبقى قويا، مع إجماع المتحدثين على أن المستقبل سيكون أفضل، دون أن ينسى المتحدثون أن الإقليم يتقلب كل ليلة، وهو إقليم حافل بالمفاجآت، والتغيرات، خاصة، مع تعدد اللاعبين فوق رقعة شطرنج واحدة.