على الرغم من الاختلافات الكثيرة في وجهات النظر بين الأنظمة الحاكمة في العالم الثالث ، وخاصة الوطن العربي ، مع المعارضة ، وعلى الرغم من الصدامات الموسمية التي تحدث بينهما ويذهب ضحيتها في العادة الكثير من الأبرياء من عامة الشعب بين قتيل ، وجريح ، وسجين ، ومطارد ، رغم هذا التباين في وجهات النظر ، والذي هو في صورته الحقيقية صراع من أجل السلطة ، فإن الاثنين يتفقان على أمر واحد فقط ، فالاثنان يعتبران الشعب كرة قدم في ملعب صراعهما ، ويتعاملان معه على هذا الأساس ، بدليل أن كل واحد منهما يحاول أن يمتلك هذه الكره أطول وقت ممكن ، ويرمي بها نحو مرمى الآخر لتسجيل هدفه وبعدها يحقق من خلالها أهدافه الخاصة والتي لا تتفق دائماً مع منطق الكرة ذاتها ، فالكرة ليست طرفا في هذا الصراع ، والغريب أن كل واحد منهما يـدّعي جازماً أن الكرة معه ، ومُلكه وحده ، وبالتالي فهو قادر على تحريكها وقذفها في أي اتجاه ، ويعلن كل واحد بصلف بائن أنه منحاز إليها لأنه وحده يحبها ، وحده يخاف عليها ، وأنها لا تُحب غيره ، وهي أكثر انحيازاً نحوه .
أما آن للأنظمة والمعارضة أن يخرجوا سالمين من غفوتهم وأحلامهم إلى أرض الواقع الذي لم يفكروا بالتعامل معه ، وأن يعيدوا حساباتهم التي أوهمتهم أنهم خليفة الشعب على أرض الوطن ؟
أما آن لهم أن يدركوا أن الشعب ليس كرة في ملعبهم ، ويكفوا عن الهتاف باسمه كلما ضاقت بهم السُــبُل ؟
ألم يعرفوا أن الشعب أصبح في ملعب صراعاتهم حكماً ؟
ألم يروا بعد البطاقة الحمراء التي أخرجها الشعب/الحكم في وجوههم طالباً منهم الخروج من أرض الملعب ؟
ألم يدركوا بعد أن هناك متسعاً في الأرض لميدان تحرير آخر ؟
الشعوب التي قامت لم تُحركها المعارضة ، ولا الأنظمة ، لقد حركها الكبت والقهر معاً سعياً وراء كرامة الوجود ، وكرامة العيش ، فلا داعِ لأن تلهث المعارضة خلفه لأنها لن تلحق به ، ولا داعِ للأنظمة أن تقف في وجهه فالمسيرة بدأت ، وبات على الاثنين المصالحة مع الشعب.