قالت الملكة رانيا إن غزة حررت الكثيرين حول العالم من وهم الإنبهار بالغرب.
وأضافت جلالة الملكة خلال كلمتها لطلبة خريجي الأكاديمية الدولية في العاصمة عمان : "التقدم لا يقتصر على التفوق الإقتصادي والتقني ولا يقاس بارتفاع ناطحات السحاب أو سرعة الإنترنت فقط، بل بعمق قيم الأمة".
وتابعت الملكة: "عالم فيه الكثير من التناقضات بينما نسمعه وما نراه، أنا عربي قولوها دون خجل أو خوف قولوها بكل فخر وإعتزاز".
وقالت: فلا أجمل من أن نكون حملة رسالة ملئها الرحمة التي يحتاجها عالمنا اليوم أكثر من أي وقت مضى".
مع انحدار وتدني القيم المعنوية ، لم يعد للحضارة مفهوم سوى الإثراء والتنعّم المادي وفرض سلطة المال ، وتتميم ما في زوايا النفس من نزوات ، والتغيير والتبديل المستمر في اغراض الاستهلاك وخلق الجديد المتجدد كل يوم على الدوام...
وكأن الانسان اصبح عبداً لما يبصر ، ولما يسمع ، ولما يشمّ، ولما يتذوّق، ولما ينحط به ولما يتلهّى. ففي يده قيد، وعلى رجله قيد، وعلى لسانه قيد، وعلى جوارحه وعلى افكاره وعواطفه قيود... لان الحضارة القائمة قد خلقت لمختلف نشاطاته الفكرية والجسدية قوالب واطارات واغراض يتزايد عددها كل يوم، بل في كل ساعة. والناس في قشور حواسهم ممعنون منصرفون لاهون ، ولا يفطنون للحقيقة ان السعادة هي فيهم وليست فيما تبتدعه لهم الآلة من حاجات وتقدمه لهم من اغراض... وانهم عبثاً في النماذج يفتشون.
وفي الحقيقة قليلاً ما شاهد البشر على مر التاريخ عبودية أقوى وأخطر وأشد رباطاً للعقول وتأثيراً في النفوس من عبودية العصر القائم. والخطر في ذلك ان الناس ، في حركة سعيهم المستمر وراء الاغراض الحضارية الجديدة ، لا يفطنون بداهة الى ما هم عليه من تعام ومن استرقاق نفسي يزيد في كل يوم تنزّلا في طيّات اللاوعي وفي عادات الحياة اليومية ... فلا يستيقظون الا عندما يوافيهم موكب الالم لما انصرفوا عنه واليه او عندما تقع الكارثة.
إن أبسط تعريف للتكنولوجيا هي أنها توظيف العلم في خدمة الصناعة بينما يبدو على الجانب الآخر أبسط تعريف للحضارة أنها نسق ثقافي وبناء فكري يرتبطان بعنصري الزمان والمكان، لذلك فإن ليس كل تقدم تكنولوجي تعبيراً حضارياً ولا أي نسق ثقافي متميز صدى لتكنولوجيا معينة، والأمثلة كثيرة ، فالولايات المتحدة دولة متقدمة في التقنيات الحديثة لكنها لا تمثل بالضرورة بناءً حضارياً متماسكاً. ولقد شهدت في الهند مجتمعات متخلفة تقنياً لكنها متقدمة حضارياً بمنطق التاريخ وبحكم التراث الإنساني الذي تضمه.
ولماذا نذهب بعيداً فمصر قد لا تكون أكثر دول المنطقة تقدماً في النواحي التقنية لكنها بالتأكيد أعرق دولها حضارة وأقدمها تراثاً بل إنه قد يكون من المدهش أن بعض الحضارات العريقة لا تتمتع حالياً بقدر مناسب من التقدم التكنولوجي بل وتعاني مظاهر التخلف في بعض نواحي الحياة اليومية وذلك يدل على أن لزومية الإرتباط بين الأصالة الحضارية والتقدم التكنولوجي ليست قائمة دائماً بل قد توجد إحداها وتختفي الثانية.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي