في اليوبيل الفضي لسيدنا نذكر باعتزاز أن البيعة الهاشمية أصبحت فوق الماسية. في المئوية الثانية للأردن الحديث، هي امتداد لأربع بيعات في رقاب الأجداد والآباء، منذ مفجر الثورة العربية الكبرى الشريف الحسين بن علي، فمؤسس الإمارة فالمملكة الملك الشهيد عبدالله الأول، فالملك طلال وعطيته الأثيرة المتمثلة بالدستور، فالحسين الباني طيب الله ثراهم، وكتب مقامهم في عليين.
ما من ميزة أعظم في النظم الملكية من الاستقرار والاستمرارية والبناء التراكمي الكماليّ الذي ينشد دائما التمام والكمال، حيث يُعلي الملك دائما الصرح، ويرسي المزيد من قواعد البناء، حتى ينعم الأردنيون مواطنون ومقيمون ولاجئون -قدامى وجدد- وزائرون وسواح بما يشار إليه بالبنان فخرا واعتزازا.
استلهمت فكرة هذه المقالة من التهاني التي رصدتها في وسائل التواصل الاجتماعي من الأشقاء العرب وأصدقاء الأردن الأجانب لمناسبة اليوبيل الفضي. من التساؤلات التي لطالما استوقفتني استفسار «الخواجات» عن معنى كلمة «سيدنا»، وهي بيعة في كلمة.. من حيث إشارتها للشرعية الدينية والسياسية لملوكنا الهواشم.
اجتهدت يوما في ترجمة معاني كلمة «سيدنا» لغير الناطقين بالعربية فقلت إنها توصيف موجز لقيم عظيمة منها رياسة المكانة، وملوكية السياسة، وهيبة المحبة، ووقار الخدمة، وفروسية العطاء، وجلالة الفداء.
لعل من أجمل اللهجات العربية الشقيقة في الحديث عن الملك، إخوتنا الأحبة اللبنانيين الذين يلفظون الذات الملكية وصفاتها السامية بفتح اللام -ملَك فأسارع وأصحح لفظها بلسان أردني فصيح بأحد أجمل لهجاته، اللهجة البدوية، بتسكين اللام والكاف، المَلْكْ.
ملكنا غالي ومقامه سامي، هي البيعة كما تعاهد عليها الآباء والأجداد، شرق النهر المقدس وغربه، شمال العرين الهاشمي وجنوبه، بيعة مصونة لا تكون إلا لأهلها، ما زالت في الأعناق ودونها الأعناق..
علّها مناسبة يتجدد فيها توكيد المؤكد، ولكن بذهنية ومنهجية جديدة تواكب تحديات العصر وتغتنم فرصه. فإن كان «الإنسان أغلى ما نملك» في عيون ملوكنا، فليس أقل من العمل بصدق وجدّ ومثابرة على التعبير عن الولاء العملي النافع المستدام الثابت. فالعمل هو مرآة الوجدان -ما وقر في القلب-، والثمر هو خير دال على النوايا والجهود، إن صدقت أثمرت، وإن خلصت أينعت.
ما يمر به أردننا المفدى ومحيطه العربي والإقليمي ليس بالسهل. ثمة سنين عجاف قد تقصر أو تطول، في حال استمر غياب الضمير وتغييب العقل عن بعض المؤثرين في المسرح الدولي، الأمر الذي يتطلب أن نكون عونا وسندا لسيدنا، وأقل الواجب أن نحمل معا مع جنده «الأصدق قولا والأخلص عملا»، أن نكون عونا وسندا لنشامى الجيش والأمن، عقال الراس وشماغه..
فكل عام وسيدنا عبدالله الثاني بخير، رعاه الله وبارك أعماله الصالحات، وأبقاه ذخرا لأردننا المفدى، وللعرب وللخيّرين في هذا العالم الذي هو بأمسّ الحاجة إلى ذوي الإرادات الحسنة، أصحاب الحكمة والخدمة، أولي العزم والحسم..