الدعوة التي اطلقها ولي العهد، الأمير الحسين، لإحياء واجب خدمة العلم، تستحق الاحتفاء والتقدير، وهي، أيضا، مناسبة لتوجيه النقاش العام حول الموضوع، ليس، فقط، لاقناع الشباب الأردنيين وإحياء عزيمتهم، أو لإنضاج الفكرة بحيث تسير على سكة أهداف محددة، ونخرج منها بأفضل النتائج، وإنما للتذكير، أيضاً، بدور مؤسستنا العسكرية التى تحظى باحترام الأردنيين، فهي افضل مدرسة يمكن لأبنائنا الشباب أن يتدربوا فيها، لنضمن، بعد تخرجهم منها، أنهم نالوا الشرف الوطني في خدمة «العلم الأردني» واصبحوا من « خيرة الخيرة».
لكي تكون خدمة العلم مطلبا وطنيا، لا مجرد قرار رسمي، لابد أن نتوافق على مسألتين، الأولى: أن هذه الخدمة هي أقصر طريق لاستعادة ثقة الأردنيين بأنفسهم ودولتهم ومجتمعهم، فهي رمز «للشرف الوطني « ودليل على عافية «المواطنة « ورسالة مهمة لكل الأردنيين بأنهم مسؤولون عن حماية بلدهم، والدفاع عنه، وشركاء في بنائه، ومستأمنون على حاضره ومستقبله، رسالة خدمة العلم للداخل تتزامن مع ما يشهده بلدنا من انكفاءات وتراجعات وانسحابات نعاني منها في إطار اهم فئة، وهي الشباب، وتلك، بالطبع، مؤشرات سلبية تحتاج إلى روافع وطنية لتجاوزها، وخدمة العالم أهم هذه الروافع.
اما المسألة الثانية، فهي أننا نواجه أخطارًا تتعلق بوجودنا كدولة، أبرزها التحدي الذي يفرضه الاحتلال الصهيوني، ناهيك عن أوضاع المنطقة، وما تحفل به من مخاضات غياب الأمن وعدم الاستقرار، خدمة العلم ستبعث برسالة واضحة وقويه أننا جاهزون للتصدي لهذه التحديات، ولدينا خطوط حمراء لا نسمح لأحد أن يتجاوزها، الدولة الأردنية أقوى مما يتصور الكثيرون، وهي قادرة، متى استجمعت عناصر قوتها وأحييت الهمة والأمل بطاقاتها الشابة، على إعادة واقعة «الكرامة « المعركة والمشروع معا، من جديد، والانتصار على من يختبر حدود صبرها، مهما كانت التضحيات.
للتذكير، قبل نحو 47 عاما (1976) صدر قانون خدمة العلم، وفقا لنظام التجنيد الإجباري، وتم تعديله العام (1986)، واستمر العمل به حتى عام 1991، ومنذ ذلك العام، تم إيقاف العمل به، ثم جرى إعادة تفعيل القانون، مع بعض التعديلات على مدة الخدمة وأهدافها عام 2019، بهدف مواجهة البطالة وبناء الانتماء الوطني، ولم ينفذ، الآن يبدو أننا بحاجة إلى إعادة النظر بالقانون، لكي يتناسب مع ضروراتنا الداخلية والخارجية، فخدمة العلم -كما قال الحسين طيب الله ثراه - هي إعلان عن اقصى انواع الولاء للوطن، من خلالها يتعلم أبناؤنا معاني الجندية والإخلاص والتضحية، والانضباط والبسالة، ودون هذه المعاني لا تقوم لمجتمع قائمة، ولا تنشأ حضارة، ولا تتكون أمة.
الآن، أمام ادارات الدولة فرصة ثمينة لإنعاش شبابنا، وإخراجهم من حلبة الفراغ، والانشغال بتبادل اللوم والشكوى على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم إعادة انتظامهم في صفوف الانتماء للبلد، والتصاقهم بترابهم الوطني، هذه الفرصة هي: «خدمة العلم «، وحدها المؤسسة العسكرية التي تحظى بثقة الأردنيين من يستطيع أن يصنع حالة «لم الشمل» الوطني من خلال بناء الشباب الأردني، وإحياء همتهم، وتهذيب سلوكهم، وتمكينهم من الانخراط بمؤسساتهم الوطنية، بروح عالية من المسؤولية والعمل والإخلاص.