هذا وزير وهو جزء من حكومة ويمثل نفسه، وتياره السياسي والديني، ويمثل أيضاحكومته ومؤسساتها، ومجتمعه، حتى لا يخرج علينا البعض ويقول إن هذا الشخص وحده المتطرف.
يقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي المسجد الأقصى للمرة الثانية منذ أحداث السابع من تشرين الأول، حيث جاء الاقتحام الأول في الثاني والعشرين من شهر أيار الماضي، وكل مرة يخرج بتصريحات تعبر عن كينونة إسرائيل، الحكومة ومجتمع الاحتلال، والمؤسسة الأمنية والعسكرية، وهذا يعني أن كل تعبيراته رسالة إلى الفلسطينيين والجوار العربي والعالم.
يقتحم المسجد الأقصى ومعه أكثر من 1600 شخص خلال مسيرة الأعلام قبل ثلاثة أيام، ويقول وزير الأمن القومي خلال مسيرة الأعلام إن القدس والمسجد الأقصى للإسرائيليين، ويضيف أن جنرالات الحرب الإسرائيليين الذين يحاربون في غزة يقولون له إنه عند اقتحامهم لأغلب بيوت قطاع غزة، يجدون صورة للمسجد الأقصى والقدس في بيوت الغزيين، وأنا أقول للفلسطينيين إن القدس لنا وباب العامود لنا، ويوما ما سيصلي اليهود بحرية في المسجد الأقصى.
هتافات مسيرة الأعلام وحدها قصة ثانية، فهي ليست جديدة، من الموت للعرب، والشتائم بحق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشتم أعراض المسلمات، والتهديد بحرق غزة ولبنان، إضافة إلى الاعتداء على تجار البلدة القديمة في القدس، وإغلاق بعضها بشكل إجباري، وطرد البعض الآخر، في سياقات سياسات إسرائيلية متصاعدة وخطيرة بحق الحرم القدسي، والمسجد الأقصى، الذي هو بالتأكيد موقع ديني إسلامي وعربي، وليس موقعا فلسطينيا، رغم وجود المقدسيين حوله وحواليه كسوار حماية يواجه تنكيلا إسرائيليا على المستوى الأمني والاقتصادي والاجتماعي والعسكري، في ظل بطش إسرائيلي متواصل يوميا.
هل هذا المشهد في القدس يعد عاديا، أم أن المنطقة اعتادت عليه، خصوصا أن كل التحذيرات خلال الفترة السابقة حول ملف القدس، تم ربطها أصلا بقطاع غزة، من حيث تأثيرات نتائج الحرب على الوضع في القدس، والمسجد الأقصى، كما أن الوضع في الضفة الغربية يشتعل تدريجيا، بما يؤشر في المحصلة على أن الوضع في القدس لن يبقى كما هو، في ظل خطط تهويد الأقصى، وهدم أحد المسجدين في الحرم القدسي، وزيادة ساعات التقاسم الزمني، توطئة للتقاسم المكاني، أو حتى فرض السيادة الدينية والعسكرية على الأقصى.
القدس، رغم كل القيود الإسرائيلية وعمليات الإذلال اليومية، على وشك أن تنفجر خلال الفترة المقبلة، ولا يمكن لهذا الوضع أن يبقى كما هو، كما أن التهديد الإسرائيلي للمسجد الأقصى يرتفع يوما بعد يوم، ولا يتراجع، وقد يصير الأقصى موقعا للانتقام الإسرائيلي من الفلسطينيين ردا على خسائر حرب قطاع غزة، بحيث يوجه الإسرائيليون انتقامهم للأقصى، في أي لحظة خصوصا، في ظل دعم كل المؤسسة الإسرائيلية لما يجري في مدينة القدس.
لم تعد القصة اليوم، قصة تحذيرات، لأن كل التحذيرات السابقة التي قيلت ثبت أنها صحيحة، وحدث بعدها ما حدث، ونحن اليوم نقول علنا إن علينا توقع الخطر الأسوأ هذه المرة في الأقصى، بشكل يقيني، لا يقوم على الاحتمال، خصوصا في ظل تعقيدات المشهد الحالي.
لم يكن مجرد وزير في الأقصى، بل كل الحكومة الإسرائيلية، ومؤسسات الاحتلال، ومجتمعه، كانوا في الأقصى وعند باب العامود، في مسيرة الأعلام، حتى لا يهرب البعض إلى اعتبار المشهد مجرد حالة استثنائية لوزير يعبر عن نفسه، بمعزل عن كل مرجعياته، فلا نجد حلا اليوم سوى شتم الوزير وحيدا، بدلا من قراءة الحالة الخطيرة بكل عمقها وما تعنيه أصلا.