في ظلال اليوبيل وأفياء الجلوس، أعياد وطنية احتفلنا وما زلنا نحتفي بها من الاستقلال وحتى الثورة العربية الكبرى. في تعقيب على تعليق خلال حوار تلفزيوني حول أحداث مؤلمة شهدتها دولة شقيقة العام الماضي، قلت لمحاور فرّ مع أسرته منها قبل عقود: ليتها تمسّكت بأهداب الملكية التي حفظت وحدة بلادها وسيادتها وكثير من النعم التي لم تأخذ حقها من الحمد والثناء، فزالت.
ليس اعتدادا بمملكتنا الحبيبة ورغم ولائنا للمليك المفدى عبدالله الثاني ابن الحسين وحده كرمز للأردن الحبيب، إلا أنني من مؤيدي جميع النظم الملكية في العالم -عربية وأجنبية- بصرف النظر عن موقفي أو حتى معرفتي بسياسات ملوك تلك الدول.
القضية ليست شخصية. القضية عامة-خاصة في آن واحد. ما من نظام أثبت جدواه وصلاحه منذ فجر التاريخ كالأسرة التي كانت وما زالت هي عماد المجتمع وركن الدولة المكين. السر هو في الأب. الكون كله قائم على ناموس المحبة وما الحكمة الحقة إلا إحدى ثمارها.
كم هو مسيء من رطن بمصطلح الرعوية بسوء. مسيء وجاهل بما تعنيه الأبوة والرعوية من أمانة هي الأقدس والأعظم ما دمنا نرى في الإنسان هيكل استودع فيه الخالق سبحانه روحا نفخها فينا أجمعين مذ كنا صلصالا حين قال جلت قدرته: كن فكان.
المُلك القائم على حفظ الأمانة وأداء الرسالة مُلك يعضده الله سبحانه، قبل الناس ومؤسساتهم. لهذا عرفنا في الأردن قادة لا يخشون في الحق لومة لائم. لو خشي الحسين بن علي الناس وسادة النظام العالمي حينها لما ضحى بملكه، وهكذا فعل عبدالله الأول على عتبات الأقصى، وهكذا كان الحسين في الصفوف الأمامية في أخطر الحروب والفتن، وهكذا هو أبو الحسين عبدالله الثاني يقود مداهمة بقوة النار أميرا قائدا للقوات الخاصة قبل ربع قرن ونيّف، ومليكا في الثأر لروح الشهيد الطيار معاذ الكساسبة، وبإطلاق وقيادة إنزالات غزة هاشم التي تجاوزت قبل أيام المئة.
المَلك محب لوطنه، يراه بعيني الوفاء للآباء والأجداد، والحرص على تمرير مشعل الأمانة وصولجانها إلى نجله الأكبر، وقد أعدّ جميع أهل بيته جندا يقفون صفا واحدا تلبية لنداء الواجب.
فلتحيا الملكية.. وليسمحوا لي إخوتي الأشقاء العرب الذين عاشوا عهودها الذهبية، أن أشاطرهم الحنين لا بل وأدعو سرا في كثير من الأحيان لدول لم تعرف الملكية، أن يصار إلى استفتاء حقيقي يخيرون الناس فيه بين نبذ ما عرف ب «الجملكيات» (الجمهوريات الوراثية) وبين نظام ملكي دستوري نيابي يحوّل ما يسمونه مكونات ومحاصصة إلى بوتقة انصهار لا تحوي إلا ذهبا، ذهبا حرّا خالصا..