ما أن يَطلُ علينا حزيران الخير والعطاء... من كل عام لتمر بنا أياماً خوالد ومراحل مهمة في تاريخ الاردن : ثورة العرب الكبرى و يوم الجيش... وجلوس جلالة الملك على عرش المملكة... وأنه لمن يُمّن الطالع ان تزامنت هذه المناسبات الوطنية هذا العام مع احتفالات المملكة (باليوبيل الفضي لجلوس جلالته على العرش قبل خمسة وعشرين عاماً )... في حزيران من كل عام يذّكرنا التاريخ ونستذكر معه إنجازات الوطن الكبيرة بهذه المناسبات الوطنية والقومية المجيدة والتي بها نعتز ونفتخر ... والتي تشكل مع بعضها سيمفونية ثلاثية مجيدة ذات أبعاد تاريخية وقومية ودينية عتيدة.
أيام خوالد يُحتفى بها ويحتفي الوطن من شماله لجنوبه ومن شرقه لغربه بما تحقق وأنجز على أرض الحشد والرباط الأرض المباركة حول أكناف بيت المقدس و العابقة بالثرى الاردني الطهور على مر التاريخ بوجود عدد من اضرحة الانبياء عليهم السلام و الصحابة رضوان الله عليهم على هذه الارض الطيبة المباركة (بوابة الفتح الاسلامي) والتي شكلت بمجملها تاريخ الاردن القديم والمتوسط والحديث حيث جرت عليها معارك فاصلة بالتاريخ العربي والاسلامي... معارك صلاح الدين لفتح بيت المقدس وفلسطين و بلاد الشام ومعركة مؤتة واليرموك وطبقة فحل وغيرها.
فالجيش العربي الأردني الباسل هو امتداد لجيش الثورة العربية الكبرى التي اطلق رصاصتها الشريف الحسين بن علي في حزيران عام 1916 هو وأبناءه البررة الامراء عبدالله وفيصل وعلي وزيد.
فكان الاردن والجيش العربي من ثمار هذه الثورة... هذا الجيش الذي سطر بطولات تاريخية ومفصلية في مرحله مهمة في التاريخ العربي بشكل عام والتاريخ الأردني بشكل خاص فتحققت انتصارات خالدة بدءا من الثورة العربية الكبرى التي قادها أبناء الثائر الأول الشريف الهاشمي الحسين بن علي... ومروراً بالملك المؤسس الشهيد عبدالله ابن الحسين شهيد الأقصى ومؤسس المملكة الذي اسس هذه الدولة وتشكلت نواة جيشها من جيش الثورة العربية.
فقاد الهاشميون الجيوش العربية التي انطلقت من الحجاز بعد أن التّف حولهم كل الأحرار العرب وكان من بين هذه الجيوش الجيش الشرقي الذي قاده الأمير عبدالله بن الحسين متوجهاً ‹به صوب الشام في بداية العشرينيات من القرن الماضي حيث كانت وجهته إلي سوريا لتحريرها للمرة الثانية بعد خلاصها من الأتراك وعلى اثر ما حدث أعقاب معركة ميسلون عام 1920 التي استشهد فيها القائد العربي (يوسف العظمة) على اثر دخول الفرنسيين لشمال سوريا حيث سقطت سوريا تحت الانتداب الفرنسي ولأردن تحت الانتداب البريطاني على اثر ذلك استنجد آهل سوريا بالشريف حسين بن علي لتخليصهم مما هم فيه وكان ذلك.
من هنا جاء تحريك هذا الجيش الذي قاده الأمير عبدالله بن الحسين الذي وصل به مشارف مدينة معان عام 1920 ومن هناك انظم اليه والتحق به كل الأحرار العرب الذين استجابوا لنداء الشريف الهاشمي الحسين بن علي وتجمعوا للانضمام للجيش الذي تحرك به سمو الأمير عبدالله قاصدا› سوريا. لتخليصها من الوضع الراهن .
أمام هذه الظروف كان لا بد من إيجاد موطئ قدم في منطقة شرق الأردن للتحرك فيما بعد لتحرير سوريا وما تبقى من الأراضي العربية في بلاد الشام وغيرها واخذ الأمير عبدالله بعد وصوله لشرق الاردن انذاك وقام بتأسيس الأمارة عام 1921 حتى أصبحت إمارة مستقلة عام 25/5/1923 فكانت البدايات الأولى لتأسيس الجيش العربي الأردني من النواة الأولى لقوات الثورة العربية الكبرى التي جاءت مع الأمير عبدالله من الحجاز بعد انضمام العديد منهم في معان وأطلق عليها اسم (الجيش العربي ) ليظل هذا الجيش جيشا› لكل العرب كما هي الثورة العربية الكبرى لكل العرب.
تطورت هذه القوات بالعدد والعتاد والعدة من حيث التسليح والتدريب وزيادة عدد منتسبيها حتى أصبحت قوة قادرة على حماية هذه الأمارة الفتية في بداية تأسيسها فعمل الأمير عبدالله على تقويتها حتى جعل منها مملكة مستقلة عام 1946 بعد أن استطاع انتزاع اعتراف بريطانيا بها لتُعرف في الخامس والعشرين من عام 1946 باسم المملكة الأردنية الهاشمية ليتربع جلالة الملك المؤسس عبدالله ابن الحسين على عرشها كأول ملك في التاريخ الأردني وفي عهده خاض هذا الجيش اؤلى معاركه في عام 1948 دفاعاً عن فلسطين في كل من القدس واللطرون وباب الواد والشيخ جراح وغيرها ومن ابرز ما انجز ايضا في عهد الملك المؤسس الوحدة بين الضفتين الغربية والشرقية عام 1950 ليتم فك هذا القرار عام 1988 لمصلحة القضية الفلسطينية في عهد جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال رحمه الله.... بعد ذلك وفي عام 1951 استشهد الملك المؤسس الشهيد عبدالله ابن الحسين على عتبات المسجد الاقصى دفاعاً عن مبادئه القومية والعربية تجاه فلسطين.
لتستمر قيادة الهاشمين من بعد بقيادة الملك طلال رحمه الله في فترة حكم المملكة الثانية وتم في عهده تحديث الدستور الأردني بالرغم من قِصر مدة حكمه وعمل على تقوية العلاقات الأردنية العربية وعلى صعيد التعليم الابتدائي جعله إلزاميا.
في المملكة الثالثة وهي من الممالك المهمة كانت في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال رحمه الله اغلا الرجال وأشرف النسب حيث تسلم زمام الأمور رسمياً منذ عام 1953 وحتى 1999 الي أن توفاه الله بعد حكماً دام قرابة نصف قرن تحققت به انجازات كبيرة في مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية كان من أهمها تعريب قيادة الجيش عام 56 والتي تعتبر الخطوة التالية لتحقيق الاستقلال التام وتوالت اهتماماته بالجيش العربي حيث كان يُعطي جلّ اهتمامه بالجيش من حيث تدريبه وتسليحه وتطويره لمواكبة الجيوش المتطورة في المنطقة وخاض الجيش في عهده حرب عام 67 وحرب ال73 وقدم خلالهما بطولات وتضحيات جسام سالت بها دماء الشهداء دفاعا عن فلسطين. الي أن تحقق الانتصار الأول في تاريخ الصراع العربي الا سرائيلي في معركة الكرامة الخالدة والتي بها أعيدت الكرامة العربية وزهوة النصر الي العرب خاصة بعد ان لحق بها ما لحق من جراء حرب عام ال67.
ليُقهر الجيش الاسرائيلي من قبل نشامى الجيش العربي الأردني حيث قدم جيشنا العربي الباسل خلال المعارك التي خاضها في الصراع العربي الإسرائيلي ما لا يقل عن 2500 شهيد تقريباً امتزجت دماءهم الزكية بثرى فلسطين الطهور.
لم يقتصر دور الجيش العربي الأردني على الحرب فقط فكان بيد يحمل السلاح وباليد الأخرى يُعّمر البناء ويُعلي البنيان فكان له دور تنموي واقتصادي في مختلف المجالات يساهم في البناء والأعمار على المستوى الداخلي إلي أن تطور هذا الجيش في عهد المملكة الرابعة من حيث التدريب والتسليح...اضافة الي مشاركة الجيش الاردني في قوات حفظ السلام الدولية والتي جاءت نتيجة لما يتمتع بها هذا الجيش من سمعة طيبة واحترافية عالية في اعادة الامن والامان الي كثير من دول العالم والتي شهدت حالة من عدم الاستقرار.
وفي عام 1999 وبعد حكم دام قرابة نصف قرن من الزمن لجلالة الملك الحسين تنتهي هذه المرحلة بوفاة الحسين طيب الله ثراه بعد حياة حافلة من العطاء والانجاز في بناء الدولة .
ليتسلم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين قيادة المملكة الرابعة بكل كفاءة واقتدار بعد وفاة والده الحسين رحمه الله ليكون خير خلف لخير سلف.
وفي عهد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين الملك المعزز و الذي نحتفل بعيد جلوسه الخامس والعشرين هذا العام عام اليوبيل الفضي لجلوس جلالته على العرش زاد من تطوير وأداء هذا الجيش وتحديثه بأحدث الأسلحة والمعدات منذ أن تسلم جلالته سلطاته الدستورية عام 1999 وحتى وقتنا الحاضر فساهم الجيش في دفع عجلة الاقتصاد الأردني من خلال إقامة الشركات والمصانع التي ساهمت وتساهم في فتح الطرق ولأعمار وتجهيز المطارات وإقامة السدود وحفر الابار كما تساهم القوات المسلحة كما ساهمت وتساهم القوات المسلحة في ادارة الازمات من خلال مركز خاص أعد لهذه الغاية.
وفي مجال دعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة ومحدودة الدخل قام الجيش بتوفير السلع الضرورية من خلال توفير الأسواق الاستهلاكية العسكرية في مختلف محافظات وقرى وأرياف وبوادي المملكة.
ولا ننسى دور هذا الجيش خارج الوطن والمساهمة في نشر الأمن والأمان في مختلف مناطق الصراع في العالم حيث يحمل بيديه رسالة السلام والإنسانية يقدم من خلالها أيضا المساعدات للشعوب المنكوبة في العديد من المناطق المضطربة من العالم وهذا لم يكن ولم يكون لولا العناية الكبيرة من لدن جلالة الملك عبدالله بن الحسين بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية الباسلة الذي جعل للجيش هذه السمعة الكبيرة التي تتمتع بها هذه القوات مما جعلها مؤهلة لهذا الدور خارج وداخل الوطن.
وما الدور المشرّف الذي يقوم به الجيش العربي في الوقت الراهن والذي تّشن به اسرائيل اعتى حرب مجرمة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة وفلسطين حيث تقوم القوات المسلحة الباسلة وسلاح الجو الملكي الاردني بتوجيهات القيادة الهاشمية من لدن جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين بعمليات الانزال للمساعدات الطبية والغذائية لدعم صمود الاهل في غزة في الوقت الذي تفرض به اسرائيل حصارا اقتصاديا شاملا وظالما حيث تجاوزت الطلعات الجوية المئة طلعة حتى الان ..ليس هذا فحسب بل اقيمت المستشفيات العسكرية لمعالجة المصابين والجرحى وفي ظروف صعبة للغاية وتسيير العديد من شاحنات المساعدات برا . وكان موقف جلالة الملك من هذه الحرب الظالمة موقفا حاسما ًوحازماً وطالب بالوقف الفوري للحرب ومنع التهجير القسري للفلسطينيين وفتح المعابر فورا وقبلها كان قد تم طرد السفير الاسرائيلي وا استدعاء السفير الاردني تعبيرا عن رفض هذا العدوان الغاشم المعتدي على الاهل في قطاع غزة.
على المستوى الداخلي نما الأردن وتطور في كافة مجالات الحياة السياسية وها نحن نشهد استعدادات المملكة لاجراء انتخابات نيابية نزيهة على اساس الحزبية الممثلة لكل الوان الطيف وبكل ديمقراطية تكفل ايجاد مجلس برلماني قوي قادر على تشكيل حكومة برلمانية
...وفي المجال الاقتصادي والاجتماعي واقيمت المدن الصناعية والحرفية في مختلف انحاء الوطن لايجاد فرص للايدي العاملة والتخفيف من مشكلة البطالة...التي هي الشغل الشاغل لكل الحكومات المتعاقبة.
وأخيراً هذا هو الاردن وهذا هو جلالة الملك عبد الله ابن الحسين وجيشه جيش النشامى حامل شعار الجيش العربي.. صمام امن وامان لحفظ سيادة الادن من اي اعتداء كان خارجيا او داخلياً.....
في الختام سيبقى الجيش العربي الأردني الباسل وستبقى الثورة العربية الكبرى وعيد الجلوس على العرش ثلاثية حزيران المجيدة والتي نتفيأ ظلالها ونحن رافعين الرأس عالياً شامخاً بهذا الوطن الغالي وقائده ونتمنى لهذا الجيش العربي الهاشمي في يومه وفي ذكرى ثورته ثورة العرب الأولى ولجلالة القائد في عيد جلوسه على العرش كل التوفيق والسؤدد لتستمر المسيرة و ليبقى الجيش حامي الحمى وسياج الوطن وأمنه المنيع تحت ظل قيادته المظفرة وكل عام والوطن وقائده بألف خير.