يدور الحديث هذه الأيام حول البدء بتنفيذ نظام إعادة هيكلة الرواتب اعتبارا من العام القادم، وهذه أحاديث تسر قطاعا لا بأس به من المواطنين، لكن التركيز في هذا النظام يتمحور حول المتقاعدين العسكريين فقط دون الأخذ بعين الاعتبار المتقاعدين المدنيين، وهذا شر البلية. المتقاعدون العسكريون القدامى يستحقون كل الاحترام وكل الدعم، وجسر الهوة بين رواتبهم التقاعدية ورواتب المتقاعدين حديثا أمر لا مفر منه لكي تستقيم الأمور ويشعر هؤلاء بأن تضحياتهم ما زالت موضع اهتمام وتقدير من الحكومة والمجتمع على حد سواء.
أما جيش المتقاعدين المدنيين فلا بواكي لهم، فهم، للأسف، لم يكونوا يوما في وارد الحكومات المتعاقبة، ولم نلمس أو نسمع حتى الآن كلاما واضحا وصريحا عن نية الحكومة الجديدة لتحسين أوضاعهم المعيشية من خلال تحسين رواتبهم التقاعدية التي يخجل المتقاعدون المدنيون حتى من مجرد ذكرها أمام الناس، فقد سألت مرة أحد المتقاعدين عن راتبه التقاعدي، فضحك ضحكة تنبئ عن حسرة ومرارة وقال "بلاش فظايح"، ثم أشاح بوجهه واختفى وسط الزحام.
للتذكير فقط، فقد عمل المتقاعدون المدنيون القدامى في ظروف بالغة القسوة، فلم يكن لديهم وسيلة مواصلات مريحة، كما هو الحال الآن، تنقلهم من أماكن سكناهم إلى مراكز عملهم، كانوا يتكبدون مشقة هائلة، صيفا وشتاء، من أجل الوصول إلى أماكن عملهم في الوقت المناسب، يخرجون من بيوتهم بعد صلاة الفجر ولا يعودون إليها إلا بعد المغرب على أحسن تقدير، ومنهم من يضطر للمبيت أو الإقامة في القرى النائية لأسابيع أو أشهر قبل أن يتمكن من العودة إلى أهله وذويه، ومع ذلك، فقد عملوا بإخلاص وتفان عزَّ نظريهما، وهم غير نادمين أبدا على ما قدموه من تضحيات في سبيل وطنهم ورفعته.
غالبية المتقاعدين القدامى هم الآن في سن الشيخوخة، ولم يتبقَ لهم في هذه الدنيا إلا أياما معدودات، لكنهم يأملون أن يعيشوا ما تبقى لهم من عمرهم بعز وكرامة، لكن "العين بصيرة والإيد قصيرة"، فرواتبهم لا تكفيهم لأكثر من أسبوع، وأحوالهم لا تسر صديقا ولا عدوا، فهل ثمة من يُكرم شيخوختهم يا دولة رئيس الوزراء؟