في متابعة الشأن والنقاش السياسي الاردني، وماذا يقول سياسيون واعلاميون ومثقفون ؟ تجد انهم غارقون في الشأن الداخلي، وغارقون في دوامة الشأن المحلي، ودونما ادراك لجدلية انعكاس الاقليمي والدولي على المحلي الاردني. سمعت عتبا ولوما من سياسي اردني كبير.. وقال لي : لماذا تنشغل كثيرا في القضايا الاقليمية، ومشغول في الكتابة والتعليق عن حرب غزة واحداث الاقليم المستجدة.
و نصحني السياسي، وهو «مكثور الخير «، بان انخرط واهتم في الشأن المحلي، وابتعد عن التعليق والكتابة عن قضايا الاقليم، وفي مقدمتها حرب غزة. صراحة، انا كنت استشعر هذا الموقف والرأي.. ولكن لاول مرة اسمعه جهارا من سياسي اردني كبير.
و قال لي : اتابع تعليقاتك ومشاركاتك على فضائيات عربية.
النصيحة اخذتها بجدية، وفكرت اكثر من مرة بكل كلمة قالها هذا السياسي. ولو ان مصدرها شخصية عادية، لقلت انه يخمن او يرمي كلاما في وحل عام واقع مستعصٍ على الفهم والتفسير.
و لكن، حامل النصحية سياسي مخضرم، وذو بصيرة حادة، ويعلم ما لا اعلمه « انا» في سياسة الاردن واسرارها . و في مراجعة كلام ونصيحة السياسي الكبير.. ولو تطلعت حولك قريبا وبعيدا، وراقبت سلوك سياسيين واعلاميين اردنيين. و حقا تكتشف ان ثمة سياسة نأي بالنفس، وانطواء، عدم اهتمام لما يجري في الجوار العربي القريب والبعيد.
ومن لحظة سماعي للنصيحة، وانا اراقب بعين ناقدة وانظر الى ما وراء الى خبر او تصريح او تعليق محلي. وجدت حقا أن نخبا اردنية معزولة، واهتمامها لا ينصب على ما يجري في الاقليم والعالم.
هل هذا هو الموقف الاسلم والانسب للاردن ؟ سؤال، لربما هو مربط الفرس في الاجابة عن نصيحة السياسي الكبير لي. الاردن اليوم، يعايش لحظة اقليمية ودولية حرجة.
في حرب غزة، والجوار الفلسطيني تطورات متدحرجة، وقد تقود الاقليم نحو حرب مفتوحة، ولا افق سياسيا حاسما يتقدم مسارات وقف اطلاق النار و في حال اعلان انهاء الحرب. و تتداخل مع حرب غزة بناء محاور جديدة في الاقليم. و ما هي تأثيرات ذلك على الاردن ؟
و ما مدى التهديد الذي يشكله عدوان جيش الاحتلال الاسرائيلي في غزة والضفة الغربية على الاردن ؟
و كيف يمكن ان نواجه المشروع الاسرائيلي، وتحديات التهجير، واحتمال تصعيد جبهة الضفة الغربية ؟ فلسطينيا، اتساع حرب جبهات المقاومة سيناريو وارد.. والضفة الغربية على «مسافة صفر» من الاردن.
و ان تتحول الضفة الغربية الى جبهة حرب ثانية، سيناريو وارد في حسابات قوى وفصائل فلسطينية. و في موضوع التهجير القسري، تحدي الاردن ليس مصدره «حرب غزة «، بل ان الاردن معني بما يجري وقد يجري من عدوان وتصعيد عسكري في الضفة الغريبة والقدس.
و عدا عما يشهد الاقليم من تطورات وتحالفات، اعادة بناء لقوى اقليمية، وانخراط دول في تصالحات وتفاهمات مصالحية واستراتيجية.
و العالم وفي سياق الصراع الدولي، وبلوغه حدا ساخنا واستقطابيا بين واشنطن وموسكو وبكين و تجاذبا دوليا ترتفع وتيرته في ساحات صراع ساخنة من غزة الى اوكرانيا وتايوان.
بلا شك ان الاقليم على صفيح ساخن، ومقبل على تحركات وتحالفات جديدة، ودول كبرى تعيد ترتيب اوراقها. و هنا، انا اتحدث عن الفرص الاردنية، واين يقف الاردن ؟ و ما مدى تأثير التحولات والعواصف الكبرى التي تضرب في الاقليم على الاردن ومصالحه الاستراتجية ؟ و من جهة اخرى.. ما هو مصير القضية الفلسطينية ؟
و في غمرة حرب غزة، كيف سيعاد ترتيب اوراق القضية، وما يتم من طرحه في ضوء اليوم التالي للحرب ومستقبل العلاقة الفلسطينية / الاسرائيلية. و القضية الفلسطينية تخرج من حالة الجمود والاستعصاء، ومرة اخرى تعود الى دائرة الضوء اقليميا وعالميا.
وفيما يستجد ويطرح اقليميا ودوليا، فاكثر ما يهمني السؤال ان فرصة ودور الاردن، وما هي السياسة الاجدر اتباعها في تحسين شروط الاردن في اقليم ملتهب وتعصف به النيران ؟ وجدت نفسي مضطرا للاختصار كثيرا في الكتابة عن تعقيدات الصراع الاقليمي والدولي، واين هو الاردن. والسؤال بين قوسين حول «التحدي والفرصة»..
و لربما، ان ثمة اسئلة كثيرة عاصفة وصاخبة تحملها رؤوس اردنيين.. واسئلة استشرافية لكل ما يجري في الاقليم، وما يحاوط الاردن من تحديات واخطار استراتيجية.
و بعد نشر هذا السطور. فسوف اقوم بارسالها الى السياسي الكبير، الناصح والعاتب..