يحكى انه كان في قديم الزمان ولدا بشعا قبيح الوجه كثير النتؤات والبقع في وجهه , حيث تجد كل اشكال التضاريس الطبيعية متوفرة في هذا الجزء من جسمه وهو وجهه الطويل العريض المتعرج كثير المطبات , والذي لا يسرك كثيرا ان تتطلع به . كان يعيش في منطقة نائيه بعيده عن الحضارة والتقدم والرقي . كبر هذا الولد وشاءت الظروف ان ينتقل الى المدينه بسبب الظروف التي جاءت لصالحه في الحصول على وظيفه نستطيع ان نقول انها جيده ونقلته الى المدينه , وقد كانت نقله نوعيه جدا بالنسبة له , ولم يكن يتوقعها في يوم من الايام ولا حتى في احلامه .
كبر هذا الولد البشع , واراد ابواه ان يروه رجلا ورب اسره , وقاموا بتزويجه من ابنة عمه , عنوة عنه , كونه كان دائما رافضا لفكرة الزواج , ولا احد يعلم سر رفضه الدائم للزواج الا هو فقط , كونه كان يرفض الافصاح عن السبب , والذي اتضح فيما بعد , وبعد اجباره على الزواج , انه لا يصلح ولا يستطيع ان يكون ابا , وان رجولته ناقصه ومن الممكن ان يكون نصف رجل او اقل او ليس رجلا الا بالشكل فقط .
كبر نصف الرجل هذا - دعنا نجامله قليلا ونسميه نصف رجل - هذا صاحب الوجه القبيح وكان الحظ مرافقا له وتدرج في مناصب متعدده وجيده في نظر المجتمع ويتمناها الجميع وهي طموح لكل شخص , ووصل الى عمر الستينات وقد يعتبر عمر اليأس او العجز او عمر التخريف للبعض مثل حال هذا الولد , ولم يقدر ان يكون ابا او رجلا بكل المقاييس , وما زالت قباحة وجهه هي هي لم تتغير لا بل زادت قبحا , ولكن مناصبه كبرت ايضا , ووصل الى ما لم يكن يتوقعه ابدا .
ولكن رغم وصوله الى مناصب جيده , لم تفارقه هذه العقده وهي عقدة القبح وعقدة نقص الرجولة . فهي تاخذ كل تفكيره لا بل لا يفكر في سواها . تعيش معه وتؤرقه ولا يعرف كيف يعوض هذا النقص الذي يعاني منه ويشعره بعدم اكتمال رجولته خاصة وانه مترافقا مع قبح وجهه .
واخيرا وجدها . وجد انسانة بعمر احفاده لو قدر له وكان له ابناء واحفاد .... ولكن مشيئة الله كانت ان لا يكون له ابناء ولا احفاد , ربما لانه لا يستحقها . وجد انسانه تافهه لا اصل لها ولا نسب "مقطوعه من شجره" كما يقول المثل , لا يهمها الا مصلحتها , وصوليه جدا , ولا يهمها سوى تحقيق هدفها مهما كانت الوسائل . واخذت تهتم به وتجامله , وهي لا تحبه ولا يعجبها منظر وجهه القبيح وشدة النتؤات والبقع الملونة في وجهه ولكن منصبه فقط هو الذي يغريها .
رغم انها تصغره باكثر من عشرين عاما الا انه قد وجد ضالته معها , والتي من خلالها شعر بانه قد عوض النقص الذي كان يعاني منه . رغم ان وجهه لا زال قبيحا ورغم انه نصف رجل , فقد وجد من تجامله وتضحك عليه بكلمات الحب الكاذبة . فهذه اول مرة وبعد ستين عاما من عمره يجد انثى تلاطفه . ولم يخجل على شيبه وعلى عمره وعلى منصبه في السقوط الى ادنى المنحدرات والمستنقعات القذرة والتصرف كمراهق . لا يقبل ان يقوم بها اي انسان سوي العقل او سوي الاخلاق والرجولة بمثل عمره .
ولكن هناك ما دفعه الى كل هذا السقوط وهذه التفاهه الا وهو الشعور بالنقص - نقص الرجولة والشعور بالقبح , قبح الوجه والذي اشعره بان لا احد يستحسن منظر وجهه فاراد تعويض هذا كله ولو باقبح الطرق والاساليب المعيبه حتى يرضي نفسه ويشبع حاجة النقص النفسي الموجود عنده.
ان الله عز وجل اراد لك هذا الشكل وهذه الحاله من النقص في رجولتك فلماذا تعارض ارادة ربنا ..؟؟ وتزيد قبحك قبحا في التصرفات والسلوكيات المشينه ..؟؟.
هذه صورة رمزيه ونموذج من نماذج محاولة تعويض الشعور بالنقص , وهناك نماذج اخرى كثيره .البعض من الناس عندما يفقد شيئا يحاول بشتى الطرق والاساليب تعويض هذا النقص ولا تهمه الوسيلة , بل ما يهمه هو تحقيق هدفه فقط , لا يخجل على عمره ولا يخجل على سمعته ولا على مكانته ونظرة الاخرين له , تراه يلهث وراء امور لا يشرفه ان يكون طرفا فيها او مساهما او مشاركا .
العقل زينه وهبة من الله عز وجل , يجدر استخدامه بطريقه تليق بالانسان , الذي فضله رب العالمين على كثيرا من المخلوقات والا لما كان فرق بينه وبينها.