من خير الكلام الذي يدخل في باب التناصح، «التمس لأخيك عذرا». واهتداء بذلك القبس قد يكون من باب أولى أن نلتمس لأنفسنا عذرا لا بل وأعذارا. من حقنا على أنفسنا ومن واجبنا -إزاء الأنا والآخر معا- أن نرفق بأنفسنا، وأحيانا نشفق عليها، وكثيرا أن نرحمها. قد يخذلنا الجميع ولا تبقى لنا إلا نفسنا وهي في نهاية المطاف -يوم يحين اللقاء وردّ الأمانة- هي التي ستشهد علينا خيرا فعلنا أم خلاف ذلك، لا قدّر الله.
استميح القراء الكرام من على هذا المنبر الكريم، انتقاد بعد التوجهات العامة التي يشيعها كثيرون ولو بحسن نية أو سوء تقدير، ومنها السلبية التي تصل إلى حد السُّميّة. الشعور السلبي قاتل ببطيء أو استعجال وأكثر ما يؤذي مصدره، أي صاحبه.
عشنا قبل أيام فرحة العيد وهي قطعا تذكرنا بتلك المقولة، بذلك التساؤل «وبأي حال عدت يا عيد»؟! كواحد من الناس -وأنا في مستهل عقدي السادس- أذكر من أيام الطفولة تلك المقولة، والعجيب أن أبناء جيلي يشيرون إلى تلك الأيام بحنين على أنها أيام «الزمن الجميل»! هي إذن مسألة الرضى التي يحار فيها الناس إن كانت حالة قابلة للمقارنة والقياس، أم شعورا وموقفا وثقافة شخصية في المقام الأول. لذلك كان الاقتران القرآني بين «النفس المطمئنة» و»الراضية المرضية». وهذا ليس بتصوف ولا ينحصر بأي دين أو طائفة، هذا من الثابت المثبت قطعيا في علم النفس وعلم النفس الاجتماعي، ولدى الأطباء في اختصاصات كثيرة خاصة تلك المعنية بالأمراض النفس-جسمانية حيث يؤثر النفسي (وأصله روحي) بالمادي، وبالعكس أحيانا. على سبيل المثال، الكثير من أمراض القلب والرئتين والكبد والمعدة مرتبط بمشاعر وعواطف كالغضب والجشع (الشره) والتطرّف والحقد والكراهية والساديّة (التلذذ بتعذيب الآخر إنسانا أو حيوانا)، وعلى النقيض من ذلك ما يعرف بالمزوخية (استحسان وأحيانا التمتّع إلى حد الإدمان بالتعرض للألم والمعاناة والإيذاء الذاتي).
استفزني للكتابة منشور تداوله عدد ليس بقليل من الناس والأهم ما يمثلونه من خبرات أو مواقع اجتماعية- أبدى تندّره من الوضع الاقتصادي في العيد -حيث كان من غير المعقول تبكير صرف راتب الشهر التالي في القطاعين العام والخاص-أبدى تندّره من الوضع بأن الناس في العيد بين خياري العزلة أو الاقتراض. العجيب أن المنشورات اللاحقة على مدى أيام العيد السعيد أشارت في محتواها -بالصور والفيديوهات- إلى العكس تماما!
الدنيا ما زالت بخير، طبعا بدرجات وهذا حالها منذ القدم وفي سائر أرجاء المعمورة. في مقالة سابقة قبل أشهر، أشرت إلى التحية السائدة في سنغافورة وهي ما زالت من تراث الآباء وليس الأجداد فقط، والتحية عبارة عن سؤال: هل تعشّيت أمس؟!
ولم القياس ببلاد بعيدة، فجوارنا كبلاد وكأماكن سكنى فيه الكثير الذي يدعونا للرأفة بأنفسنا للوقاية من التندّر الذي ينمّ عن التذمّر ولا يعبّر إلا عن تنمّر. التنمّر على نعم الله التي لا تعد ولا تحصى من أسوأ أنواع التنمّر. فالحمد لله حمدا كثيرا دائما وأبدا. وغدا حديث خاص في صميم مسألة «العزلة» وربما بعد غد مسألة «الاقتراض»!!