في قمة السبع بإيطاليا، ألقى جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين كلمة متميزة استعرض فيها رؤيته الشاملة والواضحة للتحديات العالمية الراهنة وأهمية التعاون الدولي في مواجهتها. جاءت الكلمة لتعكس سلسلة من القيم والمبادئ الأساسية التي تتماشى مع الأهداف الدولية للتنمية والسلام والاستقرار. كانت من أبرز نقاط حديث الملك التأكيد على ضرورة تحقيق السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث يعكس هذا الموقف التزام الأردن الطويل الأمد بحل عادل ودائم للصراع الذي طال أمده، مما يعكس فهمًا عميقًا لتعقيداته وأبعاده الإنسانية والسياسية.
أشار الملك عبد الله إلى الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، حيث وصفها بأنها غير مسبوقة، وأعرب عن شعوره بالعار لفشل المجتمع الدولي في وقف هذه المأساة. شدد الملك على أن استمرار الحرب يزيد من الجرائم ضد الأبرياء، داعيًا إلى فرض وقف دائم لإطلاق النار. وأكد على أهمية جهود المجتمع الدولي في حل الأزمة الإنسانية، مبرزًا دور الأردن في استضافة مؤتمر دولي للاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة، بهدف إيجاد حلول عاجلة وتنسيق جهود المساعدات الإنسانية بما يتناسب مع الاحتياجات المتزايدة على الأرض. دعا الملك إلى ضرورة دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لتمكينها من تأدية مهامها الإنسانية الهامة.
افتتح الملك عبد الله كلمته بتسليط الضوء على التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة التي تتطلب استجابة عالمية منسقة. هذا الوعي بضرورة التعاون الدولي يجسد فهمًا عميقًا لأهمية الشراكة العالمية في وقت تتزايد فيه الأزمات المتعددة الأوجه. دعوته للوحدة تُعد تحفيزًا للزعماء العالميين لتحقيق تكافل أكبر بين الدول.
أثار الملك عبد الله قضية الاستثمار في التنمية المستدامة، مع التركيز على التكنولوجيا الخضراء. وأشار إلى أن الأردن يتبع سياسات طموحة في مجال الطاقة المتجددة، مما يعزز من قدرته على خلق فرص اقتصادية جديدة وتقديم حلول بيئية فعالة. تتماشى هذه الرؤية مع الأهداف العالمية للتنمية المستدامة التي تهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي شامل يحمي البيئة ويعتمد على الابتكار التكنولوجي كداعم رئيسي.
شدد الملك عبد الله على أن التعليم هو الأساس الذي تُبنى عليه المجتمعات المزدهرة. هذا الالتزام بالتعليم يعكس حرص الأردن على بناء جيل جديد مؤهل لمواجهة التحديات المستقبلية. التعليم الحديث هو مفتاح التنمية البشرية، وهو ما يعزز قدرة الدولة على المنافسة والابتكار.
تناولت الكلمة أيضًا أزمة اللاجئين، حيث أشار الملك إلى الأعباء التي تحملتها الأردن في هذا السياق. دعا الملك المجتمع الدولي لتحمل المزيد من المسؤولية تجاه الدول المستضيفة للاجئين، ما يعكس موقفًا إنسانيًا وأخلاقيًا يتماشى مع الظروف الراهنة. هذا الموقف يجسد نموذجًا للشراكة والتضامن الدولي الضروري لمواجهة هذه الأزمات.
دعا الملك عبد الله إلى تبني رؤية جديدة للعالم تقوم على الإسهام المشترك لجميع الدول والشعوب. هذا التصور يعكس فهمًا عميقًا لأهمية السلام والتنمية المستدامة كعناصر لا تنفصل عن بعضها البعض. التضامن والعمل الجماعي لتحقيق الأهداف المشتركة هو رسالة قوية تتلاقى مع الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي، الفقر، وعدم المساواة.
أشار الملك إلى العلاقة الوثيقة بين الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي، مؤكدًا على الدور المحوري الذي يمكن أن تلعبه الأزمات الإقليمية في زعزعة استقرار النظام الدولي. السلام والأمن لا يمكن فصلهما عن بعضهما ويتطلبان حلولًا شاملة تُعالج الجذور السياسية والثقافية والاجتماعية للنزاعات.
تؤكد الكلمة على دور الأردن الريادي في دعم القضايا البيئية والإنسانية، مما يضيف بعدًا إنسانيًا وتحليليًا قويًا لهذه الرؤية، ويعزز من مكانة الأردن كمشتبك إيجابي في النسق الدولي. ودعا الملك إلى دعم العاملين في مجال الإغاثة، مؤكدًا الدور الإنساني الذي يلعبه الأردن في تقديم المساعدة للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني في غزة.
في كلمته التي افتتح بها المؤتمر الدولي للاستجابة الإنسانية الطارئة في قطاع غزة، أكد الملك عبد الله على أهمية الاستجابة الإنسانية الدولية في غزة، مشيرًا إلى التحديات الكبيرة التي تواجه إيصال المساعدات. وأوضح أن هناك حاجة إلى آلية قوية للتنسيق تشمل جميع الأطراف على الأرض، وأن فض الاشتباك بشكل مؤثر وشامل بين الجهات الفاعلة على الأرض أمر أساسي لضمان قدرة وكالات الإغاثة على العمل والتنظيم وأداء واجباتها بأمان وبشكل كافٍ ومستدام. أكد الملك أن الأردن سيواصل إرسال المساعدات إلى جانب المنظمات الدولية والجهات المانحة عن طريق البر رغم العوائق، وسيواصل عمليات الإنزال الجوي، وسينظر في إمكانية استخدام طائرات عمودية ثقيلة لتأمين المساعدات على المدى القصير، وبمجرد التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
كلمة جلالة الملك عبد الله الثاني في قمة السبع كانت بمثابة منارة توجه نحو مستقبل أفضل ينعم بالتعاون العالمي، التنمية المستدامة، والسلام الشامل. تعكس هذه الكلمة التوازن الدقيق بين الدبلوماسية والعمل الإنساني، وتعد رؤية استراتيجية نحو بناء عالم أفضل، تعزز من مكانة الأردن كقائد في الساحة الدولية ومشتبك إيجابي في الجهود الإنسانية والتنموية العالمية.