لم يكن الأردن يوما سوى مع فلسطين، بمواقفه وأعماله، وحتى في قراراته. والغريب عندما تخرج بعض الأصوات «النشاز» تتحدث عن مزيد من المواقف أو الإجراءات التي تؤكد وقوف الأردن مع فلسطين، قضية وشعبا، ليذهب البعض للدخول بتفاصيل تاريخية شكّلت دعما حقيقيا للأهل في فلسطين، ليصبح الأردن اليوم الرئة التي يتنفس منها الفلسطينيون وبوابتهم للعالم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
نكاد أسبوعيا نسمع من يطالب بإلغاء معاهدة السلام على سبيل المثال، ضمن مطالبات تستوقف كل وطني وكل من يدرك حقيقة الموقف الأردني من القضية الفلسطينية، ما يجعلنا نتساءل ماذا لو ألغيت المعاهدة؟ وكم تأملنا أن يسأل المطالبون بذلك هذا التساؤل، ماذا لو أغلقت المعابر الحدودية أمام الأهل في فلسطين نتيجة لذلك؟ ماذا لو أغلقت الحدود الأردنية أمام البضائع الفلسطينية؟ ماذا لو أغلقت مطارات الأردن أمام الفلسطينيين؟ وهي بوابتهم للعالم، ماذا لو تركت المزروعات الفلسطينية دون الأردن لأسواقه ولتصديرها للعالم؟ ماذا لو لم يتمكن المرضى الفلسطينيون من الوصول للأردن للعلاج؟ حتما في بدئنا بعبارة ماذا لو؟ لن ننتهي، ذلك أن إلغاء معاهدة السلام، التي يستفيد منها الفلسطينيون بشكل أساسي، سينتج عنه قطع شريان حياة للأهل في فلسطين، وعزلهم عن الحياة وليس فقط عن العالم.
قولي هذا يأتي بعدما استوقفني أمس الازدحام الذي شهده جسر الملك حسين باتجاه الضفة الغربية، بعد إغلاق الجسر أمام المسافرين ليومين متتاليين، حيث كانت إدارة أمن الجسور التابعة لمديرية الأمن العام قد أعلنت الخميس الماضي، عن إغلاق جسر الملك حسين أمام حركة جميع المسافرين المغادرين باتجاه الضفة الغربية، لفتح المجال لتفويج حجاج بيت الله الحرام إلى الضفة الغربية، لنرى بعد يومين فقط من الإغلاق هذه الأعداد الضخمة التي اتجهت للضفة الغربية بالآلاف، على الرغم أنه في اليومين السابقين لم يغلق الجسر بطبيعة الحال وإنما فتح لغاية تفويج حجاج الضفة الغربية.
ما حدث أمس يفرض على كل من يطالب بقطع شريان الحياة عن فلسطين أن يفكر ملايين المرات، ويرى في مطالبه هذه أنها على فلسطين وليس لها، وحتما لن يكون الأردن يوما شريكا في هذه الرؤية، بل في هذه المخططات، التي بات الجميع يعلم جيدا ما وراءها، ولأي أجندة تتبع، ففي هذه المطالب والدعوات التي حقا باتت تتجاوز حدود المنطق والعقل، وحتى الحكمة، ضرر لفلسطين والفلسطينيين وحدهم، فلو خرج أحد هؤلاء المطالبين أمس «فقط» من مكتبه أو منزله لحرارة الطقس ورأى بعينيه أعداد المغادرين للضفة من خلال الجسر لأدرك جيدا أن الأردن قدّم ويقدّم وسيقدّم للأهل في فلسطين ما لم تقدمه اي دولة على هذه المعمورة، وأن الأردن لا يحتاج مواقف غير مدروسة وغير مجدية لاتخاذها حتى ترضى هذه الفئة وترضي أجنداتها وغاياتها، التي «أكرر» أنها باتت مكشوفة لكل باحث عن الحقيقة.
الأردن رئة فلسطين والفلسطينيين بحرفيّة المعنى، ومن يرى غير ذلك فهو بحاجة فقط لأن يفتح عينيه على الحقيقة، وتفاصيلها كثيرة من حولنا، ومعاهدة السلام توفّر للأهل في فلسطين مسارات حياة طبيعية تحديدا في البعدين الاقتصادي والاجتماعي، وفي إلغائها وفقا لمطالبات «غريبة» قطع لشريان حياة للفلسطينيين ووضعهم في موضع عزلة، يزيد من وضعهم سوءا وظلما، وانقطاع بشكل كامل عن الحياة والعالم، وربما سيتكرر مشهد يوم أمس اليوم كذلك، فيمكن لمن يرى بعينيه إغلاق الجسر ليومين فقط، ماذا فعل بأهلنا في الضفة الغربية، كونه بابهم للعالم العربي والدولي.
جميع الحقوق محفوظة.