قد نكون أمام مخطط إسرائيلي لتفجير حرب أهلية داخل قطاع غزة، بين الفلسطينيين، على خلفية كل ما جرى، خصوصا، مع الاستعصاءات السياسية التي تواجهها حكومة الاحتلال.
التخطيط لحرب أهلية جزء من مخطط إسرائيلي أكبر، وقبل يومين قال رئيس حكومة الاحتلال في مقابلة مع القناة 14 الإسرائيلية إنه ليس مستعدا لإقامة دولة فلسطينية، ولن يسمح بتسليم قطاع غزة للسلطة، وإنه يريد إنشاء إدارة مدنية بالتعاون مع فلسطينيين محليين.
هذا يعني أن سيناريو نتنياهو يقوم اليوم على أمرين، أولهما إنهاء فصائل المقاومة في قطاع غزة عسكريا وكسلطة حاكمة، وصناعة هيئة عملاء بديلة داخل قطاع غزة لحكم القطاع، وثانيها تفكيك سلطة أوسلو العتيدة بالتزامن في رام الله بعد انتهاء دورها الوظيفي، بهدف الاستيلاء على كامل أرض الضفة الغربية والقدس.
اتفاقية أوسلو كانت مجرد فخ إسرائيلي جمع المقاومة الفلسطينية من دول العالم، في موقع واحد لتسهيل ضربها والسيطرة عليها، عبر إسرائيل مباشرة، أو سلطة الأمن في سلطة أوسلو، حتى وصلنا إلى مرحلة نجد أمامنا أكثر من 60 ألف عنصر أمن تابع للسلطة لا يطلقون رصاصة واحدة اليوم على الاحتلال- برغم أنهم لا يحصلون حتى على رواتبهم- إضافة إلى مواصلة سرقة الأرض وبناء المستوطنات تحت اسم عملية السلام، وانتزاع اعتراف من قيادات المنظمة بكون إسرائيل شرعية، تحت وهم تحقيق دولة فلسطينية مقطعة الأرجاء أصلا.
لماذا غزة مهددة بحرب أهلية في هذا السياق؟ والإجابة سهلة للغاية، حيث أن تركيبة غزة منوعة، وأكثر من 60 بالمائة من سكانها هم من فلسطين المحتلة عام 1948، كما أن التركيبة الاجتماعية منوعة كما هي بقية المجتمعات العربية، مدنيون وفلاحون وبدو، والتركيبة السياسية منوعة أيضا، ما بين من هو محسوب على حركة فتح، أو حركة حماس، أو الجهاد الإسلامي، ومن هو حيادي يريد تخليص شؤون يومه، أما التركيبة الاقتصادية فهي مقسمة أيضا، حيث توجد نسبة فقر كبيرة، تاريخيا، وهناك طبقة عمال حرفيين، وأطباء ومهندسين ومحامين وممرضين وأكاديميين، كون قطاع غزة الأعلى تعليما في العالم العربي، وفلسطين التاريخية، ونسبة الجامعيين فيها تقترب من حدود 90 بالمائة، وهذا له تأثير على التحصيل الاقتصادي، بوجود طبقة أيضا من التجار والميسورين، أو الذين يغترب أبناؤهم خارج قطاع غزة منذ سنوات.
حكم حماس للقطاع أنتج أجيالا جديدة محسوبة مع عائلاتها على حماس، بحيث يمكن القول إن هذا الخط ما يزال غالبا برغم كل الخسائر المادية والإنسانية، ومن المثير هنا أن هناك قوى داخل قطاع غزة، محسوبة على قوى فلسطينية أمنية، تحارب حركة حماس، أصلا، وهناك قوى اجتماعية تشعر بالغضب مما جرى وتحمّل حركة حماس المسؤولية، وهي قوى قليلة للغاية، ومن هذه البيئة سيتم استنبات أشخاص تحت عناوين مختلفة وبوسائل مختلفة لحكم قطاع غزة، وفرض إرادة إسرائيل تحت مسميات تبدأ بالتنظيم، وصيانة الأمن الداخلي، وتوزيع المساعدات.
الذي يعنيه ذلك فعليا إنتاج صراع بين القوى الحاكمة الأساسية داخل القطاع، أي حماس وحركات المقاومة والحاضنة الاجتماعية الداعمة لها، وهذه القوى البديلة التي قد تتورط بمحاولة فرض سلطتها وقوانينها لإدارة القطاع، مما سوف يسبب نزاعا حادا واتهامات بالخيانة والعمالة وصولا للتصفية الجسدية، بما سيولد ردود فعل، وأعمالا انتقامية، في مجتمع يتسم بسيطرة العشائرية عليه، وبسطوة العائلات الكبيرة، بما يعنيه ذلك من قضايا على صلة بالدم.
الحل الذي يطرحه رئيس الحكومة الإسرائيلية يراد منه إثارة الشكوك بين الفلسطينيين وشق كتلتهم الداخلية، والتهيئة لحرب أهلية، يرفع فيها الناس السلاح على بعضهم البعض، جراء تخوين مثل هذه القوى البديلة التي سيتم دعمها تحت عنوان يقول إنها هيئات مدنية، خصوصا، أن الكارثة ستكون مضاعفة إذا تم توريط دول عربية للدخول إلى غزة، بذرائع مختلفة، وقامت هذه الدول بالتعامل مع القوى البديلة بوابة لقطاع غزة في هذه الظروف.
كتبت عن "سيناريو الحرب الأهلية" هنا في الغد في الثامن عشر من آذار، وعلى ما يبدو فإن خطط إسرائيل اليوم تريد أن تضمن اقتتال الفلسطينيين فيما بينهم بعد أن تغادر.