بين العرب من لا يريد أن يصدق أن إسرائيل تخسر كل يوم في هذه الحرب، ويريد أن يقنعك أن الفلسطينيين وحدهم الذين يدفعون الثمن في هذه الحرب التي تقترب من شهرها العاشر.
هؤلاء ينتمون إلى تيار يقول لك إنه لا يمكن هزيمة إسرائيل ولا إضعافها، لأن واشنطن معها، وأغلب الدول الأوروبية تدعمها، ولأن بعض العرب يدعمونها سرا وعلنا، ويزيدون من الشعر بيتا، فيقولون إن كل خسائر إسرائيل المالية سوف يتم تعويضها، والخسائر الحالية سيتم التعامل معها في وقت لاحق، وهذا يعني وفقا لرأيهم استحالة التسبب بأي ضرر أو خسارة لإسرائيل.
إذا أردنا أولا الدخول في تقييم لكلف الحرب على مستوى إسرائيل علينا الإشارة إلى حجم الانقسام غير المسبوق والصراع السياسي والاجتماعي داخل إسرائيل الذي تفجّر على خلفية الحرب، من مظاهرات أهالي الأسرى، مرورا بما يقوله زعماء المعارضة الإسرائيلية، والاستقالات الحالية والمستقبلية، وحجم التراشق وتبادل الاتهامات العلنية في وقت الحرب، والغضب بين أهالي الجنود الإسرائيليين من خدمة أبنائهم، ورفض المتدينيين الخدمة في الجيش، برغم قرار المحكمة الإسرائيلية العليا، وما يعنيه ذلك من انشقاق داخلي حيث يموت العلمانيون من أجل المتدينيين الذين يرفضون الخدمة العسكرية، دفاعا عن مشروع إسرائيل التوراتي أصلا.
يضاف إلى ما سبق الأزمة الاقتصادية الحادة في إسرائيل التي دفعت مثلا لإصدار قرار إسرائيلي بخصم يوم عمل من راتب شهر حزيران الحالي من العمال والموظفين بسبب العجز الناتج عن الحرب في غزة، وفقا لما نشرته صحيفة "إسرائيل اليوم" وحجم المديونية والعجز، وتراجع النمو الاقتصادي، حيث انكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة كبيرة، وسط خروج متواصل لرؤوس الأموال من داخل إسرائيل، وتوقف عمليات الاستثمار المحتملة، وتضرر قطاعات واسعة من المقاولات والزراعة والسياحة والتكنولوجيا، وغير ذلك من قطاعات بما يعنيه ذلك على مستويات حياة الإسرائيليين، وتحطم النموذج الذي كانت إسرائيل تبيعه للعالم والمنطقة.
الخسائر البشرية أكبر بكثير من كل الأرقام التي يتم الإعلان عنها، وتاريخيا كانت إسرائيل تخفي الخسائر البشرية، من حيث عدد القتلى والجرحى، حتى لا نبقى نصدق الأرقام الإسرائيلية، لأن حرب تسعة أشهر حتى اليوم، ستؤدي إلى آلاف القتلى والجرحى والمرضى النفسيين والمعاقين، في اختلال يحدث لأول مرة على مستوى مجتمع الاحتلال، بما يولد كل هذا الضجيج ضد الحكومة الإسرائيلية التي لا تعرف حتى اليوم كيف تحسم معركة غزة، وتريد فتح جبهة مع لبنان، برغم اعتراف المسؤولين الإسرائيليين أن فتح جبهة مع لبنان سيؤدي الى خسائر جسيمة، ومقتل أعداد كبيرة من الإسرائيليين، وربما تدمير بنى اقتصادية وعسكرية.
في أغلب الإعلام العربي والدولي هناك تخفيف متعمّد لخسائر إسرائيل، لصالح تعظيم خسائر الفلسطينيين، والقصد هنا التسبب بالشعور بالضعف والهوان، لكن يكفي أن الدولة التي كانت تقدم نفسها باعتبارها دولة عملاقة ما تزال تغرق في غزة منذ تسعة أشهر، ولا تجد حلا لأزمتها سوى الجرأة على الأبرياء، في مشهد يرتد سلبا على إسرائيل ذاتها التي هاجر منها نصف مليون إسرائيلي، ويبحث المقتدرون فيها عن إقامات في الخارج، فوق توقف موجهات الهجرة إليها، خوفا من الحرب، وتوسع الحرب، بما يعنيه ذلك من تدمير لفكرة الاستيطان، ولو مؤقتا.
ثم النظرة الدولية من جانب المؤسسات الأممية ونظرة عواصم العالم، وشعوب العالم إلى إسرائيل، وهي بالتأكيد خسرت كل حملات العلاقات العامة، وتحسين السمعة التي قامت بها خلال سنوات، حتى برغم كونها تسيطر على الصورة في دول محددة، إلا أن النظرة العامة باتت في غاية السوء، والارتداد داخل إسرائيل ذاتها نراه كل يوم، بكل هذه التصريحات المتضادة، والاضطراب السياسي والأمني والاجتماعي غير المسبوق في إدارة هذا المشهد.
ثم تأتيك إسرائيل وتعلن بكل غرور أنها تريد شن حرب على لبنان. حسنا. فلتذهبوا إلى لبنان، حمى الله شعبها، لنرى قدرة إسرائيل الزائفة على تحمل الكلف الأخطر منذ حرب غزة.