يعيب بعض المستشرقين والمستغربين وغالبيتهم من المولعين «في حب الغالب» وفقا لابن خلدون، يعيبون على بعض الإعلاميين محاكاة مهنة الحكواتي كما عرفتها بلاد الشام أو الدمشقيون، على وجه الخصوص.
وما أن تلاشى البرزخ الفاصل بين الإعلام التقليدي والجديد الذي يتقادم إلى حد التآكل مع طالع كل شمس، حتى أدرك المعنيون بالصحافة والإعلام ومهن أخرى من بينها السياسة والاقتصاد والاجتماع والأمن، أدركوا أن كل الحكاية سردية، وأن معيارها الشرعي والوحيد هو الكيفية، كيفية سرد الخبر والقصة الإخبارية.
مهما بلغت السردية من المعرفة والمعلوماتية والتقنية لن تجدي نفعا إن كانت فاقدة للروح، فالناس تحب سماع الحكايات وروايتها وتناقلها بكل ما يحمل ذلك من «بهارات» المحسنة للطعم وأحيانا اللاذعة المذاق إلى حد أن تصير حارقة. والروح هنا هي الكيفية التي يتم بها صناعة ومن ثم صياغة وسرد تلك الحكاية للآخَر. الحكاية كلها -من باديها لتاليها- هي ذلك الآخر محبا كان أم كارها، صديقا كان أم عدوا، عارفا كان أم جاهلا، نجّانا الله من الصديق أو الحليف الجاهل فهو عدو نفسه، فما بالك بنا نحن وبمن وما نحب.
من جميل اللسان العربي المبين، اللسان الأردني الفصيح بكل لهجاته النشمية، كلمة «كيفية» لدى القرويين، أهل الأرض، أهل الحقل، أهل البيدر.. تقلب الكاف فتصير «تشافا». الكيفية تصير «تشيفية» ومن معانيها التعبير عن الارتياح والغبطة والسرور من شيء ما، كأن يقال كانت الرحلة إلى اشتفينا «تشيفية»!
اشتفينا تعرف أيضا بجوهرة عجلون. قرية رابضة على ارتفاع 1150 مترا فوق سطح البحر. تتبع اشتفينا التي عرفناها في نشرات الطقس أيام كانت يومية وموحدة على شاشة الوطن الأولى والأغلى، التلفزيون الأردني، تتبع إداريا لواء قصبة عجلون، شمال مملكتنا الحبيبة، الزاهر الزاخر بقطع من جنان الله على الأرض.
سر «التشيفية» في اشتفينا وغيرها من بقاع هذه الأراضي المقدسة في ثلاثة كتب سماوية، سرها ضاربة جذوره في الأردن. ثمة حكمة ربانية لاعتماد حقولنا على مياه الأمطار تاريخيا، فتلك الآلية «الكيفية» هي التي تدفع الجذور إلى الحفر عميقا إلى باطن الأرض، للارتواء من مياهها الجوفية الربانية ولا نقول «البعلية» فبعل إله كاذب أدّبه الله وأدّب قومه بسيدنا إلياس «العجلونيّ» في القرآن الكريم، وهو إيليا في الكتاب المقدس وتنسب إليه تلة مار الياس قرب اشتفينا.
الخلاصة، من أراد دعم الإعلام الوطني بجناحيه الخاص والعام، عليه أن يكون حكواتيا في بيته أولا (في الدائرة الخاصة قبل الدوائر العامة) حتى تأمن العشيرة والديرة وتغنم. شفاء كثير من أمراض هذا الزمان وأوبئته عالميا، بيد الأسرة لا الوزارة ولا الحكومة ولا الدولة، ولا حتى دور العبادة. في تراثنا الروحي والوطني الكثير الكثير مما يستحق اعتماد «تشيفية» تأخذنا إلى «اشتفينا» فيكون الخلاص من الإرهاب والإدمان والعمالة والعطالة والبطالة وأشياء أخرى. نقرّ وندرك أن صيفنا الشرق أوسطي حار، لكنا نقول لكل من استجار بنا وحل في ربوع الأردن ضيفا أو سائحا تعالوا إلينا «والله لنكيّف» تلك العبارة التي قالها طفل يوما ما ببراءة وعفوية، فذهبت مثلا يصلح أن يبقى شعارا لكثير من الحملات الوطنية متعددة الأهداف السامية كمكافحة السموم المسماة المخدرات، والترويج للسياحة الداخلية فهي الأكثر أمانا والأهنأ بالا و»تشيفية»!!!