بعد مضي 28 قرابة شهرا على الحرب الروسية- الأوكرانية لا تزال الخيارات الخمسة التي طرحتها وحللتها في مقالة سابقة لي بعنوان: " هل يستطيع بوتين إنهاء الحرب هذا العام منتصرا" قبل عامين وبالتحديد بتاريخ 19 -7-2022, لا تزال خياراتها مطروحة على طاولة الرئيس الروسي اليوم, وسأوضح في هذه المقالة تلك التحليلات السابقة والتي أصبحت اليوم حقيقة بالشواهد والدلالات لتنهي هذه الحرب إذا لجأ هذا الرئيس الى أي منها بدون إستخدام السلاح النووي.
لقد أجبت عن هذا السؤال الذي حمل عنوان مقالتي السابقة قبل عامين بنعم , واليوم أكرر الإجابة مع تدعيم ذلك بما يجري على أرض الواقع اليوم, حيث أن إقدام الرئيس الروسي بوتين على إستخدام أحد الأوراق التالية التي من شأنها إجبار أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين والولايات المتحدة على الجلوس الفوري مع روسيا لمفاوضات إنهاء الحرب وبالشروط الروسية, وهذه الأوراق هي:
1) "إستكمال إحتلال الموانىء الجنوبية لأوكرانيا حتى الوصول إلى ميناء أوديسا والذي يعتبر أكبر ميناء بحري أوكراني بقدرة مرور سنوية إجمالية تبلغ 40 مليون طن (15 مليون طن جاف و25 مليون طن سائل) وبذلك سيتم عزل أوكرانيا عن العالم ."
الشواهد اليوم: قيام روسيا قبل أيام بتوجيه ضربات صاروخية ل100 منشأة للبنى التحتية لموانىء أوكرانيا الجنوبية,ومن ضمن الموانئ ميناء إسماعيل أحد موانىء أوديسا القريب من رومانيا على نهر الدانوب في الجنوب وهو أهم ميناء لتصدير الحبوب الى أوروبا ,وقصف موانئ أخرى لمنع أي سفن تحمل السلاح من إستخدام مرافىء تلك الموانىء,وذلك لعزل أوكرانيا عن العالم.
2) "إحتلال العاصمة الأوكرانية كييف مما سيؤدي إلى سقوط أوكرانيا بيد روسيا والسيطرة على القيادة الأوكرانية وعزل الرئيس الأوكراني."
الشواهد اليوم:أن ما تخطط له القوات الروسية اليوم التقدم غربا تجاه العاصمة كييف وتأتي هذه التطورات في وقت يحشد فيه الرئيس الروسي بوتين حلفاءه، ومع تغييرات أجراها في الكرملين أبرزها استبدال وزير الدفاع، ومستفيداً من تباطؤ المساعدات الغربية والضعف في بنية الجيش الأوكراني الذي إستُنفذ، وانشغال إدارة الرئيس الأمريكي بايدن في دعم جبهة الحرب الإسرائيلية على غزة حيث تدفقت القوات الروسية وفتحت خطاً جديداً للهجوم على خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا,حيث تمكنت ما يقرب من خمس كتائب روسية من التقدم في غضون أيام قليلة، واستولت على عدد من القرى ، فيما قد يعدّ أسرع تقدم روسي منذ بداية الحرب في فبراير 2022, ووصف كيريلو بودانوف، رئيس المخابرات العسكرية الأوكرانية، الوضع لصحيفة نيويورك تايمز بأنه على الحافة ويتجه نحو الخطورة.
3) "قطع كامل لإمدادات الغاز إبتداءً من الأول من أيلول القادم مما سيدفع بالدول الأوروبية بالضغط على حليفتها الولايات المتحدة لا بل والتمرد عليها لإيقاف الحرب والدخول بمفاوضات مع روسيا, حيث تشكل صادرات روسيا لأوروبا من الغاز 40% من إحتياجاتها السنوية والتي تبلغ 550 مليار متر مكعب سنوياً.
الشواهد اليوم: واردات الغاز الروسي مستمرة لا يزال الأوروبيون يستوردون الغاز من موسكو لأن الروس أوقفوا فقط عمليات التسليم التي كانت تمر عبر "نورد ستريم" و"يامال"، وليس الخطوط الأخرى. وفي الأثناء، تستمر خطوط أنابيب الغاز "براذرهود" (التي تمر عبر أوكرانيا وتزود النمسا والمجر) وخط "توركستريم" (عبر تركيا، وخاصة إلى بلغاريا) في إمداد الاتحاد الأوروبي.
وذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن الأهم من ذلك كله، هو أن الدول الأوروبية زادت مشترياتها من الغاز الطبيعي المسال الروسي,ومثلت هذه الواردات عبر السفن 13.5 مليار متر مكعب في سنة 2021، وارتفعت في سنة 2023 إلى ما يقارب 18 مليار متر مكعب، وذلك حسب تقرير نشرته وكالة الاتحاد الأوروبي لتعاون منظمي الطاقة في 19 نيسان الماضي, وتتلقى فرنسا وحدها 29% من هذه الشحنات، مما يجعلها ثاني أكبر بلد مستقبل بعد إسبانيا ب37 %
لكن الرئيس الروسي اليوم أشار في تصريحاته اليوم بأن أوروبا تشتري الغاز اليوم بثلاثة أضعاف السعر الذي كانت تشتريه من روسيا قبل الحرب, والأهم في الموضوع ماذا لو قطع الرئيس الروسي الغاز كليا عن أوروبا هذا الشتاء وخصوصا أن التغير المناخي سيجعل من هذا الشتاء قاسيا على أوروبا ؟
4) "قيام روسيا بإجراء إستراتيجي تكتيكي وذلك بنصب صواريخ باليستية متوسطة المدى ( Medium Range Ballistic Missile (MRBM))بالقرب من الولايات المتحدة على أراضي أمريكيا الوسطى أو أمريكيا الجنوبية وبالتحديد على أراضي دول حليفة لروسيا مثل نيكاراجوا وفنزويلا وكوبا حيث يقع مدى هذا الصاروخ من 1000-3000 كم وذلك لعمل تهديد حقيقي ومباشر للولايات المتحدة والذي من شأنه إجبارها على إيقاف الحرب والدخول بمفاوضات مباشرة مع روسيا, على غرار ما يفعله حلف الناتو بالتهديد بنشر صواريخه على حدوده مع روسيا وتهديده للعاصمة الروسية موسكو, والتي ستعيدنا للوراء إلى تشرين الأول من عام 1962 وأثناء الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة عندما قررت روسيا نشر صواريخ نووية متوسطة المدى في كوبا رداً على نشر أمريكيا 100 رأس نووي في أوروبا لتهديد موسكو, والتي عرفت بأزمة الصواريخ الكوبية (تسمى في روسيا بأزمة الكاريبي)."
الشواهد اليوم: هدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام بنشر "صواريخ تقليدية" على مسافة قريبة من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين إذا سمحوا لأوكرانيا بتوجيه ضربات في عمق روسيا بأسلحة غربية بعيدة المدى وأضاف بوتين في أول اجتماع مباشر له مع كبار محرري وكالات الأنباء الدولية منذ بدء الحرب في أوكرانيا أن "الغرب مخطئ إذا افترض أن روسيا لن تقدم أبدا على استخدام الأسلحة النووية" وقال إنه "لا ينبغي الاستخفاف بالعقيدة النووية للكرملين ,وعندما سئل عن تصريحات الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ التي دعا فيها إلى السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الغربية لضرب الأراضي الروسية, أشار بوتين إلى الفروق بين الصواريخ المختلفة، لكنه حذر من أن السماح لكييف بضرب روسيا بأسلحة أكثر قوة هو تصعيد خطير يجر الغرب نحو حرب مع روسيا,وأضاف الرئيس الروسي أن موسكو تدرس نشر صواريخ مماثلة طويلة المدى وعالية التقنية قريبة بما يكفي لضرب الدول التي تسمح لأوكرانيا باستهداف الأراضي الروسية بمثل هذه الصواريخ.
5) "اللعب السياسي مع أحزاب المعارضة الأوروبية والتي أصبحت على مقربة من إستلام سدة الحكم في دولها وخصوصاً تلك الدول المؤثرة داخل البرلمان الأوروبي ,وقد رأينا مؤخراً استقالات لحكومات داخل حلف الناتو مثل بلغاريا وبريطانيا وإيطاليا نتيجة لضغط الأحزاب المعارضة , والضغط الإقتصادي لما يعانيه المواطنين من إرتفاع بأسعار الطاقة والسلع وتكاليف المعيشة في تلك الدول بعد قناعتهم التامة بعبثية هذه الحرب وما لها من اثر سلبي عليهم , ومن المرجح سقوط حكومات أخرى قريباً مثل الحكومة الفرنسية والألمانية ,مما سيؤدي إلى إقدام البرلمان الأوروبي بالضغط على الشريك الأكبر لحلف الناتو وهي الولايات المتحدة لإيقاف الحرب والدخول بمفاوضات مباشرة مع روسيا."
الشواهد اليوم: طرأ هذا الإسبوع تغيرات جذرية في السياسة الألمانية نتيجة فوز أحزاب المعارضة والتي ستصب في صالح إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية , حيث قاطع نواب من حزبي اليمين المتشدد الألماني "البديل من أجل ألمانيا" واليسار المتشدد "تحالف سارة فاجنكنشت" خطاب فلاديمير زيلنسكي أمام البرلمان, وقد حقق الحزبان مكاسب كبيرة في الانتخابات الأوروبية الأحد الماضي إذ تفوق "البديل من أجل ألمانيا" على جميع الأحزاب الثلاثة المنضوية في ائتلاف المستشار أولاف شولتس, بينما حصل "تحالف سارة فاجنكنشت" الجديد على الساحة وهو الذي ركز حملته على معارضة تسليم الأسلحة لأوكرانيا، على أكثر من ستة في المئة من الأصوات وأفاد الرئيسان المشاركان لـ "البديل من أجل ألمانيا" بأن الحزب "يرفض الاستماع إلى متحدث يرتدي بزات عسكرية وأكد تينو شروبالا وأليس فيدل أن "أوكرانيا لا تحتاج إلى رئيس حرب الآن, بل تحتاج إلى رئيس سلام مستعد للتفاوض", مضيفين بأن نواب "البديل من أجل ألمانيا" قرروا بالتالي ترك مقاعدهم فارغة في مجلس النواب البوندستاغ الثلاثاء الماضي.
اما بالنسبة الى فرنسا فقد أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون الأحد الماضي حل مجلس النواب (الجمعية الوطنية), ودعا إلى انتخابات مبكرة في نهاية هذا الشهر, وذلك بعد تقدم اليمين المتطرف الفرنسي في الانتخابات الأوروبية وفاز اليمين المتطرف بالانتخابات الأوروبية, وذلك بحصوله على نسبة تقارب 32% من الأصوات، أي ضعف ما حققه حزب الرئيس ماكرون وفقاً لتقديرات معهدي الاستطلاع "إيفوب" و"إيبسوس", ما يُمثل ضربة كبيرة لمعسكر للرئيس الفرنسي وجاء في المرتبة الثانية حزب "الغالبية الرئاسية", محققاً 15.2% من الأصوات.
ولا ننسى استطلاع بريطاني يوم أمس بأن حزب المحافظين سيمنى بهزيمة سابقة في الإنتخابات القادمة.
وأختتم مقالتي هذه كما إختتمت مقالتي السابقة:"إن إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية أصبحت مطلباً عالمياً لجميع دول العالم كونها أضرت كثيراً بالإقتصاد العالمي وأثرت مباشرة على شعوب العالم وخصوصاً التهديد بالمجاعات العالمية لمعظم دول العالم الثالث , إضافة إلى تدمير الكوكب الذي نعيش عليه بسبب عم معالجة الإحتباس الحراري وعدم السيطرة على إرتفاع حرارة الأرض خلال الفترة القريبة, ناهيك عن صعوبات الحياة التي أصبح يعاني منها معظم سكان العالم دون تمييز , لذلك يجب الدفع بإنهاء هذه الحرب الكارثية وأي حروب أخرى بشتى أنواع الطرق وبأسرع وقت ممكن ."
الخبير والمحلل الإستراتيجي
المهندس مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com
لقراءة المقالة السابقة الرجاء الضغط على الرابط: " هل يستطيع بوتين إنهاء الحرب هذا العام منتصرا."