المتابعات الأخيرة تشير إلى أن القيادات العسكرية الإسرائيلية أعدت العدة وأعلمت الولايات المتحدة بجاهزيتها لشن حرب على حزب الله بلبنان، بما يتضمن اجتياحا عسكريا للجنوب وتدمير شامل للبنية التحتية لحزب الله.
تأتي هذه الخطط بعيد تهديدات لفظية ومسيرات وصورايخ على أهداف متنقاة من قبل حزب الله في إسرائيل، كان آخرها مسيرة وصلت وصورت مدينة حيفا والرسالة في قدرة الوصول وإحداث الضرر، إن تطلب الأمر ذلك. حزب الله بهذه الأعمال يرد على استهداف قياداته واغتيالهم من قبل إسرائيل في محاكاة لما قامت به إيران بعيد اغتيال قياداتها في دمشق برد محدود غير تصعيدي. المتابع للتصعيد الذي شمل دولا أخرى بالمنطقة، وهي قبرص، يشعر أن حربا على وشك أن تندلع بين الطرفين؛ إسرائيل وحزب الله، في حين أن واقع الحال يشير إلى أن ثمة حسابات استراتيجية أخرى لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار عند الحديث عن قرارات للحرب.
أول وأهم هذه الأبعاد الاستراتيجية مصلحة كل طرف بالحرب؛ بالنسبة لحزب الله لا يوجد لديه مصلحة بالحرب، لأنها قد تؤدي لإعادة احتلال الجنوب اللبناني ومواجهة دمار كذلك الذي حدث في غزة، لذا فحزب الله معني باستمرار الاشتباك ولكن ليس حربا شاملة، فالاشتباك يضمن الاستنزاف وقدرة استمرار المناورة، أما الحرب فتعني الدمار والاحتلال.
إسرائيل أيضا ليست معنية بالحرب، فلديها ما يكفي من الأزمات والحروب وجيشها في حروب واشتباكات لا يريد إضافة المزيد لها. نتنياهو ويمينه هم أصحاب المصلحة بالحرب وليس إسرائيل، لأن حربا من حزب الله سوف تعطيه دفعة سياسية كبيرة داخليا، وتعطيه زخم دعم دولي جديد عالميا.
إيران أيضا وهي المسيطرة على حزب الله لا تريد حربا شاملة مفتوحة، فحتى عندما تواجهت هي ذاتها مع إسرائيل، اكتفت بتأكيد رسائل ردع عبر سلوكها في الرد على اغتيال قياداتها في قنصليتها بدمشق. إيران معنية باستمرار الاستنزاف وليس الحرب الشاملة المفتوحة مع إسرائيل لأن هذه الحرب سوف تصب في مصلحة إسرائيل عسكريا وسياسيا.
من وحي هذه الصورة الاستراتيجية، يمكن القول إن حربا شاملة بين حزب الله وإسرائيل أمر مستبعد لغاية هذه اللحظة، والأرجح أن ما سيحدث أن الولايات المتحدة، وعبر قنوات الوساطة لديها، وبناء على التصعيد الأخير بين الطرفين سوف تعيد رسم قواعد الاشتباك والردع بين إسرائيل وحزب الله، وهو تماما ما يريده حزب الله وإلى حد ما إسرائيل وليس نتنياهو.
هذا ما هو متوقع مع أنه تخدير موضعي ليس أكثر لا يتعامل مع جذور المشكلات والخريطة الاستراتيجية التي تسير بصالح إيران وحزب الله. حروب الاستنزاف الشرق أوسطية سوف تستمر لأن جذور المشاكل والتحديات موجودة، لا بل إن هذه المشكلات تتمدد ويستغلها من يعتاشون وينتعشون على العنف والحروب التي تروح الشعوب ضحية لها.