بعد ترقب ومتابعة حثيثة، جرت المناظرة الانتخابية الأولى بين الرئيس الأميركي بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي، ومرشح الحزب الجمهوري ترامب. المناظرة تم تنظيمها من هيئة متخصصة مستقلة غير ربحية للمناظرات الانتخابية، وجرى التفاهم بين فريقي المتناظرين على التفاصيل كافة؛ مدة المناظرة، الحضور ونوعه أم غيابه، من يبدأ بالحديث ومن ينهي بآخر سؤال، هل يحملون ملحوظاتهم أم يكتفون بورقة وقلم، ما مدد الإجابة عن كل سؤال...الخ. المناظرة هي الأولى من ثلاث مناظرات متوقعة، وهي ذات أثر مهم بالتأثير بالناخبين الأميركيين، لا سيما من أولئك في الوسط؛ أي الذين لم يقرروا بعد من سينتخبون. هذه الفئة مهمة جدا وهي من يقرر الفائز النهائي، لأن قواعد كل من المرشحين ملتزمة معه وقد حسمت أمرها، أما الذين لم يقرروا بعد، ويقدرون بحوالي 80 ألف ناخب، فهم المجموعة التي يستهدفها المرشحون للانتخابات.
تجرى استطلاعات رأي عام سريعة بعد المناظرات، وهي دقيقة تعتمد العلمية العشوائية لقياس تقييمات الناس وردود أفعالهم على المناظرات وأداء المتناظرين بها. في المناظرة الأولى كانت النتيجة سلبية جدا لبايدن وإيجابية لترامب، حيث قال 33 % فقط من المستطلعة آراؤهم إنهم يعتقدون أن بايدن كان الأفضل، بينما قال 67 % إن ترامب كان الأفضل. هذه نتيجة كارثية لبايدن وممتازة لترامب، تحمل فجوة كبيرة، لدرجة أن كثيرين من مؤيدي بايدن ومناصري الحزب الديمقراطي طلبوا منه التنحي وعدم خوض الانتخابات، وإفساح المجال أمام مرشح أو مرشحة أخرى لينافسا ترامب يوم 5 تشرين الثاني المقبل، وهو يوم الانتخابات. بايدن لم يحسم أمره بعد، وربما هناك من يقول له إن هناك مناظرتين أخريين قادمتين، والأمور قد تتغير.
المناظرة الأولى التي خسر بها بايدن لم تكن عن السياسات والأرقام، فهذه معروفة، وكلا المتناظرين لم يكونا دقيقين بالأرقام أو المعلومات. المناظرة ونتائجها تحددت بناء على الشخصية والحضور والقوة والتركيز على نقاط ضعف الخصم، وهنا بدا بايدن مسنا كبيرا متلعثما، وفي أحيان فاقدا للتركيز، في حين بدا ترامب قويا ومليئا بالطاقة ومزاودا على مواقف بايدن وسياساته. الفرق بين عمر الرجلين ليس كبيرا، لكن سن بايدن كان واضحا أعطى الانطباع على عدم قدرته على قيادة الولايات المتحدة لأربع سنوات أخرى. حاول المرشحان تسليط الضوء على نقاط ضعف الآخر، ولكن هذا كان معروفا ومتوقعا، لذا كان للغة الجسد والحضور والشخصية الأثر المهم بتحديد مواقف الناس.
حسب ما يظهر للآن، وبناء على نتائج المناظرة الأولى، فإن ترامب سوف يفوز بالانتخابات الرئاسية، لكن من يعرف الانتخابات الأميركية، يدرك أن ثمة أشهرا طويلة ما تزال تفصلنا عن الانتخابات، وفي هذه المدة قد تنقلب الأمور رأسا على عقب. تغيير الحزب الديمقراطي مرشحه الآن وارد لكنه سيعطي انطباعا بالضعف والتخبط، واستمرار بايدن مع تأكيد تحسن أدائه وارد أيضا، وقد يكون ذا أثر مفصلي بإعادة الكفة لصالحه، وفي الحالتين، فلا شك أن الحزب الديمقراطي يعيش أزمة سياسية كبيرة يحاول الخروج منها.