كنت قد كتبت مقالا بتاريخ 27-11-2023 وقد تناقلتها وسائل إعلام عربية وغربية تحت عنوان :" الحرب على غزة...إقتصادية عالمية بإمتياز", حيث إستهليت المقالة بسؤال:" لماذا أرسل الغرب أساطيله هذه المرة في حرب غزة لدعم إسرائيل ولم ترسله في سلسلة الحروب التي شنتها إسرائيل سابقاً على غزة ؟ ولماذا إنسعر الإعلام الغربي في تغطيته للحرب البربرية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة, على عكس الحروب السابقة"
لقد كانت الإجابة على هذا السؤال بأن هناك أهداف إقتصادية مبطنة يخفيها الغرب يريد تحقيقها من الحرب الهمجية على غزة , هذه الأهداف أقوى من الإنسانية التي تنادي بها جمعيات حقوق الإنسان , وكذلك أي وساطات عربية من الدول الحليفة للغرب أو وساطات إقليمية أو دولية لإيقاف الحرب, والخروج إلى الأفق السياسي لحل القضية الفلسطينية والذي نادى به الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين, وسأكرر هذه المشاريع التي ذكرتها سابقا للأهمية, مع التركيز على المشروع الثالث الذي هو مدار بحث وتحليل هذه المقالة:
"أولاً: مشروع إمداد أوروبا بالغاز, بعد إنقطاع تزويد أوروبا بالغاز من قبل روسيا والتي وصلت قبل الحرب الروسية - الأوكرانية إلى أكثر من 40% من إجمالي إحتياجات الدول الأوروبية, وهذا المشروع قد تبلور بعد إكتشاف حقول نفطية جديدة بإحتياطات كبيرة جداً في شرق حوض البحر المتوسط ومن ضمنها غزة التي يمتد ساحلها بطول 41 كم, في حين تحتل إسرائيل على البحر طولاً يبلغ 273 كم, فهي تعتقد أن إضافة ساحل غزة إليها سيكون بمثابة زيادة كمية الإحتياطي والتصديري لهذا الغاز والذي يقدر ب15%-25% من إحتياطات الغاز الإسرائيلي , إضافة إلى ضمان أمن المشروع في المستقبل كونه مشروعاً حيوياً غربياً بإمتياز , وسيدر دخلاً على الحكومة الإسرائيلية الغارقة في الديون بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً , وسيوفر بالتكلفة تدفق الغاز الإسرائيلي على أوروبا ب 50% من السعر الذي أصبحت تشتريه بعد إندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية .
ثانياً: مشروع قناة مائية تحل محل قناة السويس, تفكر إسرائيل والغرب منذ عقود بشق قناة تربط خليج إيلات بالبحر المتوسط لتشكل ممراً مائياً للتجارة البحرية العالمية لتمرير 12% منها بديلاً عن قناة السويس , لتحقق المكاسب المادية التي قد تصل إلى 10 مليارات دولار في السنة , إضافة إلى السيطرة الأمنية الكاملة على هذا الممر , ومما زاد الضغط على أهمية هذا المشروع من قبل الغرب هو ضمان الطريق البحري الذي سيربط أوروبا والساحل الشرقي من الولايات المتحدة وكندا بالشرق ليكون منافساً لمشروع الحزام والطريق الصيني, إضافة إلى تأمين المشروع الجديد " طريق التوابل" للسكك الحديدية البرية الذي سيربط الهند وشرق آسيا بأوروبا من خلال ميناء حيفا ليكون آمناً , وهذا المشروع أطلقه الرئيس الأمريكي في شهر أيلول الماضي في قمة العشرين التي عقدت في نيودلهي.
ثالثاً : مشروع الرقاقات الإلكترونية, نتيجة الأزمة التايوانية , حيث تبلغ حصة شركة TSMC الموجودة في تايوان من الإنتاج العالمي لهذه الرقائق 64% , ثم تأتي شركة SAMSUNG الموجودة في كوريا الجنوبية 18% وتأتي بعدها الصين 5% أما بقية العالم فينتج 12% ومن ضمنه الولايات المتحدة من خلال شركة INTEL, وتمتاز رقاقات شركة TSMC التايوانية بتقنيات عالية جداً من حيث صغرها الذي يمكّن الصناعات الإلكترونية التي تستخدمها من التفوق التكنولوجي, مثل لا على سبيل الحصر مصانع السلاح والأجهزة ذات الإستخدامات المتنوعة الطبية والزراعية والذكاء الإصطناعي والروبوتات والحواسيب والهواتف المحمولة والسيارات والطائرات والمنظومات الأمنية ووسائل النقل والمركبات الفضائية والأقمار الإصطناعية وغيرها, لتكون إسرائيل المنفذة لمشروع ضخم للرقاقات الإلكترونية بعد سيطرتها على غزة وإقامتها لذلك المشروع بجنوب إسرائيل , حيث إستثمرت شركة INTEL الأمريكية ب11 مليار دولار قبل 3 سنوات في مصنع الرقاقات جنوب إسرائيل في كريات جات التي تبعد عن غزة 45 كم ,فوجود هذا المشروع وبناء مصانع جديدة للرقاقات بجنوب إسرائيل لتكون آمنة, وقريبة من المصانع الأوروبية والولايات المتحدة ."
إن ما تناقلته وسائل الإعلام الغربية عن شركة INTEL الأمريكية قبل أيام عن وقف إستثمارات وتوسعة جديدة لمشروعها في إسرائيل بقيمة 25 مليار دولار نتيجة تعقيدات حرب غزة,كان خير دليل على أهداف حرب غزة الإقتصادية والتي قمت بتحليلها في مقالتي السابقة, وهو أكبر إستثمار من شركة خاصة عالمية في إسرائيل والذي كان من المتوقع إفتتاحه عام 2028, ويذكر أن شركة INTEL الأمريكية كان متوقعا لها من خلال هذه التوسعات أن تقوم برفد الأسواق الغربية بهذه الرقاقات, لتقليص الإعتماد على شركة TSMC الموجودة في تايوان نتيجة التوترات مع الصين.
فشركة INTEL الأمريكية كانت قبل حرب غزة تصدر قرابة 9 مليار دولار من مصانعها في إسرائيل من خلال توظيف 12 ألف موظف إسرائيلي , وكانت النية تتجه الى مضاعفة أعداد الموظفين من خلال هذا المشروع وزيادة الصادرات لتفوق 20 مليار دولار في العام, وهذا الرقم يعادل 4% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي على أقل تقدير.
وهناك مؤشرات لفشل المشروع الثاني بإقامة قناة مائية إسرائيلية تحل محل قناة السويس , والسبب أن حرب غزة حولت مسار 90% من السفن التجارية العالمية عن طريق السويس , وإصابت العشرات منها منذ إندلاع حرب غزة .
في الختام لن ينجح أي مشروع إقتصادي عالمي في منطقتنا دون حل جذري للقضية الفلسطينية بإقامة دولتهم المستقلة على الرابع من حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
الخبير والمحلل الإستراتيجي
المهندس مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com
لقراءة المقال المذكور اضغط هنا