الأخبار السيئة، دائما أخبار جيدة، في عيون الصحفيين المعنيين بالإثارة أو الشهرة أو الربح أكثر من الخبر وما وراء الأخبار على تنوعها، من رسائل ورجع للصدى.
لا يعني انقطاع الأنباء أبدا غياب الخبر. قد تقبع قصة إخبارية في زاوية لم يصلها الرصد. طرف خيط لخبر أو قصة أو سردية قد يحدث -إن تم التقاطه بعناية والتعامل معه بحكمة وحرفية- علامة فارقة ونقلة نوعية في حياة الصحفي أو (القناة، الوكالة أو الموقع الإخباري).
ولأنها محرقة بكل معنى الكلمة، لا يتورع البعض عن الإلقاء بكل ما طالته أيديهم أو تم إلقاؤه في جعبتهم إلى فرن الأخبار، دونما اعتبار لدخان أتونهم إن كان أبيض أم أسود. لذلك بادر القابضون على جمر الصحافة كأمانة وكرسالة إلى التشدد والتريث في قبول ما يرد إليهم من «أخبار» بحيث يتم النظر إلى أي خبر بعين المهنية الثاقبة الوازنة، وعين الإنسانية أو الوطنية وغيرها من الاعتبارات الواجب تقديمها على أي شيء آخر حتى وإن كان مخالفا لما تشتهي تريندات القطيع الذي لا يكون دائما بريئا في الفضاء السيبري الأزرق أو العنكبوتي الأسود.
لن تقوى تطبيقات وتحديثات الذكاء الاصطناعي على «خلق» صحفي «روبوت» أو رئيس تحرير آليّ أو خارق كستيف أوستين تلك الشخصية الأمريكية الوسيمة مفتولة العضلات التي لم تكن في الواقع غير الافتراضي سوى بطل هجين وزائف، إنسان (ممثل) وآلة (مبرمجة تلفزيونيا) ، عرفه جيل ثمانينيات القرن الماضي ب «بايونيك مان» ونسخته اللاحقة مراعاة للجندرة، «بايونيك وومَن»!
للأسف، ثمة جمهور لا يقيم وزنا لأي اعتبار غير نهم الإثارة وإدمانها. البعض يريد تحويل الصحافة الرصينة والإعلام الرزين إلى تجارة رزايا وفضائح كما في الصحف الصفراء، «تابلويد» بما فيها ال «بباراتزي» تلك المهووسة بمطاردة المشاهير على النحو الذي ارتبط بالنهاية المأساوية مثلا للأميرة ديانا في تسعينيات القرن العشرين جراء مطاردة بباراتزي سيارتها في نفق باريسي على متن دراجة نارية امتطاها أحد صحفيي الإثارة أو بالأحرى المتاجرة بالدماء والحرمات والخصوصيات.
دهمتنا بعض المواقع غير الأردنية على التايم لاين الأردني قبل أيام بخبرين أدميا القلب. لم تقتصر فجيعتنا الإنسانية والوطنية على أمّ وأخت فقط، بل حتى الجناة. في أخبار من هذا النوع قد تكفي على منصات «التراحم» الاجتماعي حوقلة ودعاء، وربما رسائل توعية لاحقا، عندما تكتمل التحقيقات وتصدر عن الجهة الوحيدة المخولة بها وهي نشامى الأمن العام.. غير ذلك، الأضرار المترتبة على النشر أكبر من المكاسب، وأكتبها على استحياء، فأي مكسب يحققه «إعلامي»، وأي مغنم يحققه ناشط متأثر أو مؤثر ثرثار على منصات التفاخر والتناحر الاجتماعي، من التعجل في نشر خبر مغرق بالمحلية على منصات لها من يترصدها لغايات في نفس يعقوب؟ ما الذي يجنيه بعض المنتفخين صلاحا وإصلاحا بلعب دور المحقق والقاضي معا، وبعضهم من تجاوز ذلك في تعليقاته للمزاحمة في مقام العلماء -علماء الدين والدنيا- في الإلقاء بهذا في جهنم وذلك في سقر على قضية لا يعرف عنها إلا ما بدا مشهدا غامضا في حدث قد التحقيق، بمعنى أنه حتى الحدث -إن كان كاملا مكتملا في تفاصيله- ليس فيه من التفاصيل الوافية لجعله خبرا قابلا للنفخ، لتستنسخ منه روايات لها منصات معادية تحسن اصطياد أخبار من هذا النوع، ونفخه وطبخه مع «تحبيشة» غرافيكس وموسيقى «حزاينية» تظهر الدنيا وكأنها خربانة!
الجريمة قديمة قدم البشرية. منذ قابيل وهابيل، لا توجد أرض بما فيه أكثر المواقع والأراضي قداسة في الدنيا إلا وشهدت ما يقطّع نياط القلب. لكن تراثنا الروحي والوطني والعشائري يعلمنا كيف تكون الرحمة والحكمة في التعامل مع تلك الأخبار. علهم يتقون الله خاصة من ذوي النوايا الحسنة وهم الغالبية الساحقة، ولعل المشرعين في البرلمان المقبل يغلظون عقوبات من لا يحترم مشاعر الناس ويراعي صورة الوطن، فيستنون من القوانين ما يساعد الجسم الصحفي المهني الوطني ع لى تفعيل آلية الطرد المركزي، على الدخلاء والأدعياء والطارئين على مهنة المتاعب. نعم متاعب لما فيها من مسؤوليات جسام ومخاطر جسيمة، لا لكونها مهنة إثارة أو «تجارة فضائح» المأساوي منها والخفيف، ذلك النوع الذي «يطيش» فيه حجر «اللي نجمه خفيف»!