لم يتمكن رئيس اللجنة الملكية للتحديث السياسي دولة سمير الرفاعي، من إخفاء تخوفه من إمكانية اجهاض تجربة التحديث السياسي وعدم تحقيق أهدافها الموضوعة أمام جلالة الملك، في الندوة التي عقدها مؤخرا في النادي الأرثوذكسي.
يقول الرفاعي «ما زلنا نرى انكفاء البعض نحو أحزاب الأشخاص واتخاذ التجربة ذريعة للوصول إلى المواقع والمناصب دون التفات حقيقي لمصلحة المواطن، وببعد غير مبرر عن الصالح العام».
كلام الرفاعي يعني أن التحدي الأكبر الذي يواجه مشروع التحديث السياسي هو تحدي «الأنا» التي أثرت على مستوى الأداء السياسي للأحزاب، وأضعفت قدرتها على استقطاب الناس على أساس البرنامج والمشروع.
هذه «الأنا» هي نفسها من أقصت النخب السياسية سابقا، لأنها ببساطة غير قادرة على إدارة حوار عقلاني جاد يعتمد على تدفق المعلومات وتحليل المشكلات وتوضيح التبعات، واتهمتها بالسوداوية كلما دار النقاش العام حول الممكن وغير الممكن، وروجت لفكرة أن النخب غير قادرة على فهم نبض الشارع!
«الأنا» أفرزت الشعبوية التي تمعن في بيع الوهم للناس، وتقدم حلولا غير واقعية على حساب الدولة وإمكاناتها، وبمعرفة تامة بعدم قدرة الدولة على تحمل مزيد من الأعباء، فتزداد الضغوط على الدولة وتتعمق الأزمات، ويتجذر مفهوم نائب الخدمات (نائب الوعود) على حساب النائب السياسي (نائب التشريع).
وهي تظهر على شكل سياسيين ينوعون في أفكارهم بين متناقضات دون الاستناد للمعرفة، ويتكلمون في اللاشيء، فيفقدون القدرة على الاستمرارية داخل البرلمان، ولن يتمكنوا قطعا من تشكيل تحالفات لأنهم ببساطة لا يحملون مشروعا مكتملا يمكن تنفيذه والتحالف من أجله.
«الأنا» هي السبب في مغادرة الكفاءات للأحزاب بعد أن تم استقطابها، بدليل ظاهرة الفرار الجماعي على شكل استقالات غير متعلقة بخلاف على المشروع، بل بالرغبة بعدم رؤية وجه البعض مرة أخرى!
تلك «الانا» عززتها سياسات الدولة في توزيع المناصب والألقاب على أساس المحاصصة بدلا من الكفاءة، ونتحمل مسؤوليتها كمجتمع لأننا تسامحنا معها ولم نحاربها فتركناها تتأصل في سلوكياتنا فتصبح ثقافة.
المفترض أن الانتخابات النيابية القادمة هي الأهم في تاريخ الدولة الأردنية، فعلى المستوى المحلي تأتي عقب تغييرات جذرية أجرتها لجنة تحديث المنظومة السياسية على شكل الحياة السياسية، وعلى المستوى الإقليمي يواجه الأردن ظرفا استثنائيا يتعرض فيه لمخاطر وجودية وتهديد على الأمن القومي على عدة جبهات، نتيجة لتبعات الحرب على غزة.
والواقع أن المزاج الشعبي العام، على الرغم من هذه الظروف الاستثنائية، لا يبدو مشتبكا بالقدر المطلوب لتعزيز المشاركة الشعبية في الانتخابات، والسبب «الأنا» وأزمة فقدان الثقة المعمّقة، التي يعاني منها المواطن تجاه العملية السياسية والمؤسسة التشريعية التي تجذرت على مدار السنوات.
ما يحدث يجب أن يثير القلق على مستوى صانع القرار والمواطن على حد سواء، فنحن لا نملك حقا ترف مجلس نيابي آخر ضعيف الأداء، ولا تملك الدولة ترف الانقسامات السياسية الحادة في المجتمع، ولا ترف الإقصاء الذي تمارسه المجموعات السياسية مع بعضها بعضا، لتصبح غير قادرة على حمل مشروع وطني جامع يقف في وجه التحديات.
نجاح التجربة اليوم يعتمد على القدرة على إقناع الناس بأهميتها، والاستقطاب النوعي وليس الكمي للأحزاب من أجل تعزيز المشاركة السياسية والتمثيل، فنحن ما نزال أمام حالة من العزوف أخطرها بين النخب السياسية والثقافية، وذلك يتطلب قطعا محاربة «الأنا» في التحديث السياسي.