زاد الاردن الاخباري -
شهدت الأيام القليلة الماضية "تطورا نوعيا" في مسار الثورة السورية تمثل بقرار جامعة الدول العربية تعليق عضوية سوريا فيها، والاعتراف "الضمني" بالمعارضة كممثل شرعي للشعب السوري.
وجاء الرد الرسمي بسلسلة من المواقف السياسية المتناقضة، بدءا بمهاجمة الجامعة العربية ومهاجمة أنصار النظام لسفارات بعض الدول العربية بدمشق، ومن ثم الاعتذار لها، ومرورا بالدعوة لعقد قمة عربية طارئة، وإطلاق عدد من المعتقلين قبل المصادقة على "قرار التعليق".
ويثير القرار الأخير جملة من السيناريوهات المحتملة حول مستقبل الأزمة السورية، ففي حين يرى بعض المراقبين أن "السيناريو الليبي" قابل للتطبيق بنسخته السورية، يميل آخرون أكثر إلى احتمال استقالة الأسد وهروبه مع عائلته، كما حدث في تونس.
وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم استبعد مؤخرا تكرار السيناريو الليبي في سوريا، مشيرا الى انه "لا يوجد اي مبرر لكي يتكرر هذا السيناريو، وما يجري في سوريا مختلف عما كان يجري في ليبيا."
ويقول الكاتب السوري المعارض خلف علي الخلف، إن "تعليق العضوية أمر طال انتظاره من السوريين الذي يتعرضون لمجازر مستمرة منذ ثماني أشهر. فالقرار العربي مطلوب لذاته أولا، ومطلوب لتأثيره في المجتمع الدولي، وهو يعطي غطاءاً لأي تحرك دولي قادم، وأعتقد انه سيكون مؤثراً في موقفي روسيا والصين."
ويشير رئيس تحرير جريدة جدار الالكترونية، إلى أن القرار يلقي مسؤولية جسيمة على المعارضة السورية "التي عليها أن تتحرك بشكل عاجل لاستثمار هذا القرار، ووضع تصور كامل للمرحلة الانتقالية والآليات التي تؤدي إلى اسقاط النظام."
وأضاف في حديثه لموقع CNN بالعربية: "لا أعتقد أن هذا النظام سيسلم السلطة وفقا لإرادة الشعب، واعتقد أننا نسير نحو سيناريو حظر جوي ومناطق عازلة من عدة دول، أبرزها تركيا مع دعم الجيش السوري الحر. سنشهد بعدها انشقاقات واسعة في الجيش، إضافة لتفكك مؤسسات النظام، ولا أستبعد انهيار درامتيكي للنظام يكون غير محسوب في حال تم الوصول إلى قرار دولي بهذا الخصوص."
ولقي القرار الأخير ترحيبا عربيا ودوليا كبيرا، حيث دعت الأردن والسعودية صراحة الأسد للتنحي، فيما أكدت تركيا أنها ستفرض عقوبات تتعلق بقطع الكهرباء ووقف التعاون في مجال تنقيب النفط مع دمشق.
وأعلنت الجامعة العربية عن تشكيل "جيش" من المراقبين يضم 500 من ممثلي المنظمات العربية ووسائل الاعلام والعسكريين للذهاب الى سوريا لرصد التزام النظام بتطبيق بنود المبادرة العربية.
وكان "التيار الثالث من أجل سورية" أعرب عن أسفه الشديد لتعثر جهود جامعة الدول العربية الرامية لإيجاد تسوية سلمية للأزمة، بعيداً عن التدويل والتدخل الخارجي.
وأكد التيار الذي يتخذ موقفا وسطا من الأحداث في سوريا أن المبادرة العربية "لم تفشل تماماً، وثمة هامشاً لا يزال بالإمكان التحرك ضمنه، بما يخدم عملية الانتقال السلمي والآمن إلى الدولة المدنية الديمقراطية المنشودة، ويحافظ على استقلال سوريا ووحدتها أرضاً وشعباً."
ويرى المحامي عبدالله علي، مدير موقع النزاهة المحظور، أن قرار تعليق العضوية سوف يلعب دوراً في "تهييج الأحداث في سوريا، وزيادة وتيرة الدم السوري المراق على الطرقات."
وأضاف لـCNN بالعربية: "سوف يحاول أنصار المجلس الوطني السوري استخدامه لشحن شارعهم بمزيد من التحرك، ومحاولة ملء المشهد بالمظاهرات المناهضة، كما سوف يعتمد عليه الجيش السوري الحر لمضاعفة عملياته ضد قوات الجيش بغية إحداث أكبر قدر من الانشقاق في صفوفها."
ويرى أن القرار هو خطوة أخرى لفرض الحل الليبي على الأزمة السورية، و"لا شك أنه سوف تتبعه خطوات أخرى، مثل الاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل وحيد للشعب السوري، ومن ثم اللجوء إلى مجلس الأمن وتدويل الأزمة."
لكنه يستدرك، قائلا "أعتقد، رغم خطورة القرار، أن بعض الدول العربية لن تذهب بعيداً في تطبيقه، وأن سوريا سوف تجد أكثر من وسيلة للتخفيف من حدته."
ويرى الإعلامي السوري المعارض توفيق الحلاق أن قرار الجامعة العربية تعليق عضوية سوريا "أسعد الثوارالسوريين وقضّ مضجع النظام"، مشيرا إلى أن "النظام كمؤسسة أمنية فقد الكثير من توازنه، وبدأ يمارس أقسى أنواع العنف الانتقامي، وخارج حدود أجندته في العنف الممنهج."
ويضيف لـCNN بالعربية: "الثوار وغالبية الشعب السوري أبدوا تأييدا سريعا لقرار الجامعة من خلال المظاهرات الحاشدة التي انطلقت في مدن وبلدات سورية عديدة، وفي بعض العواصم العربية والعالمية."
ويشير إلى أن "عوامل داخلية وإقليمية ودولية ضاغطة دفعت الأنظمة العربية راضية أو مضطرة لاتخاذ هذا القرار، الذي أعتبره استثنائيا."
ويقول الحلاق: "أعتقد أن النظام السوري بدأ يتهاوى ويتجه إلى نهايته نتيجة عوامل منها، سحب الشرعية عنه عربيا بعد موافقة 18 دولة عربية على القرار، واستعدادها لسحب سفرائها من دمشق، والتبدل المحتمل لمواقف روسيا والصين نتيجة فشل النظام الذي فقد شرعيته الدولية في إدارة الأزمة."
ويرى أن تركيا "أصبحت في وضع من أخذت الضوء الأخضر لمعاقبة سوريا اقتصاديا وسياسيا، بدليل القرارات التي اتخذتها أخيرا، وحتى لمساعدة الجيش المنشق لوجستيا، مشيرا إلى أن المجلس الوطني "بدأ يلقى تعاطفا متناميا من الدول الغربية، وأذنا صاغية من دول كالهند وجنوب أفريقيا وبعض دول أمريكا اللاتينية، ما يفقد النطام أصدقاءه."
ويؤكد بعض المراقبين أن القرارات المتناقضة التي بدأت تصدر عن القيادة السورية تؤكد "التخبط الكبير في مراكز القرار لدى النظام السوري الآيل للسقوط"، داعين الشعب السوري إلى الصبر وعدم الانزلاق في فخ الطائفية التي يحاول النظام تأجيجها بوسائل متعددة.
ويقول الحلاق: "أتوقع أن تبدأ المؤسسة المدنية بالتفكك من خلال استقالات للسفراء وهروب لوزراء ومسؤولين كبارا في الحزب والدولة، إضافة إلى تزايد الانشقاقات في الجيش بشكل كبير جدا."
وأستبعد الحلاق تكرار السيناريو الليبي في سوريا، "لاعتبارات داخلية وخارجية"، مشيرا إلى أن الأسد قد يستقيل "بصورة دراماتيكية ويسلم السلطة لنائبه فاروق الشرع، ويهرب مع أعوانه خارج البلد."
يذكر أن "تيار بناء الدولة السورية" وضع مؤخرا خريطة طريق لحل الأزمة السورية - تلقت CNN بالعربية نسخة منها - تتضمن ثلاث مراحل: أمنية - سياسية - انتخابية، وتقوم على اعتراف النظام بالمعارضة واستعدادها للجلوس على طاولة المفاوضات.
وتنص الخطة على ترتيب الحالة الأمنية في سوريا عبر تفاوض غير مباشر (وسيط خارجي كالجامعة العربية) أو مباشر بين المعارضة والسلطة، ومن ثم حل الجبهة الوطنية التقدمية وتشكيل حكومة انتقالية تكنوقراطية من السلطة والمعارضة والتحضير لانتخابات مجلس نيابي مرحلي يضع دستورا جديدا للبلاد.
cnn