لست مغرما، بل قل إنني زاهد بالثقافة الحزبية، ولا يمكنني الإبحار فيها، ولا الانتماء لحزب، وذلك لأنني مصاب بحالة نفسية تجعلني أعتقد بأنني (أكبر من كل الأحزاب)، مع احترامي لها كلها، وهكذا يفكر كثيرون مثلي، يمكن تصنيفهم بالمحافظين الذين هم محسوبون على تيار الوسط، الذين يؤمنون بالالتزام بالوطن على حاله، ولا يؤمنون بل قل لا يثقون كثيرا بالأحزاب كقوى قادرة على الحفاظ على هوية ومكتسبات وطنية، ولا يعني هذا بأنهم لا يؤمنون بالرأي الآخر أو بالديمقراطية، بل لديهم قناعة راسخة، سببها كثرة التجارب الحزبية الفاشلة، التي لم تحافظ على مكتسبات شعوب عربية كثيرة.. وغير عربية.
لو كانت هناك تجربة حزبية ناضجة فعلا، وخالية من حسابات ما، لاكتفينا ب 3 أحزاب، تمثل 3 تيارات موجودة بالفعل على الساحة الأردنية، وهي اليمين واليسار والوسط، لكن عدم التوحد لهذه التيارات في أحزاب رئيسية، يعزز الريبة وعدم اليقين بجدوى الانتماء لحزب محسوب على اليمين أو على اليسار، وقد أثبتت لنا كثير من التجارب التي حدثت في عالمنا العربي حجم «الانتهازية»، التي اتسمت بها أحزاب كثيرة على امتداد مروحة اليمين واليسار، واكتفت بالشعارات التي ثبت عدم إيمان والتزام كثيرين بها، ولا يعني هذا بأننا نغمز في أفكارها ومفكريها، بل نتحدث عن التجارب الكثيرة الفاشلة، التي أودت باستقرار بلدان عربية، وكدنا يوما في الأردن أن نفقده ونذوب في المزيج مع الذائبين.
بعد أن تجري الانتخابات القادمة، ونقطع مسافة مع الأحزاب، فيمكننا عندئذ أن نقيم التجربة الجديدة التي تريدها الدولة، وسواء أقمنا بالتقييم أم لم نفعل، فنتائج هذه التجربة ستكون ماثلة في يومياتنا المتعلقة بالشأن الأردني، وستتولد أو تتعزز أو تضمحل بعض القناعات حول العمل الحزبي، وذلك سيحدث سواء اتفقنا أو اختلفنا مع التجربة، ومن هذا الباب يجد المحافظون المحسوبون على الوسط بأن المكان الأنسب هو الحذر والمراقبة والدفاع عن مبادئهم وقناعاتهم بل قل عن الوطن وثوابته التي يؤمنون بها، ويعتقدون بأن رأيهم هو الأصوب للحفاظ عليها، ولا يعني هذا بأن لا يشتبكوا مع الحدث، بل يجب أن ينخرطوا بالانتخابات، وينحازوا لخطاب إعلامي سياسي بات مطلوبا أكثر من السابق، لأن «المنافس» أصبح اليوم مجموعة من الأحزاب التي تمارس عملها على الساحة السياسية والاجتماعية، وتعتمد ماكنة إعلامية تنويرية، لا يمكن الصمود أمامها، أعني صمود القناعات والمبادىء، دون وجود خطاب اعلامي يدافع عن الوسط والتيار المحافظ، حيث كانت الدولة تتولى جزءا كبيرا من هذا العمل، لكنها اليوم تتخلى عنه لصالح تعزيز وإنجاح التجربة الحزبية، وتعزيز المشاركة السياسية في الحكم.
مهما كان تأثير التجربة الحزبية على الساحة الأردنية، فهو إيجابي، يرفع منسوب الوعي السياسي، ويعرّف من جديد شعار الانتماء والوفاء للوطن والدولة وحماية مستقبلهما، الذي هو مستقبل كل مواطن.
«خنشوف» شو بصير، ثم نلتقي ب»تعاليل» وحوارات.