إن حب الوطن لدى الأسرة الأردنية الواحدة هو ذلك الإحساس الخفي الذي يحركنا للتعلق به، والإحساس بالإنتماء إليه مهما بعدت بنا المسافات، وهو شعور فطري ينمو ويكبر معنا، وإحساسنا بأنّ لا شيء يضاهي دفء الأرض التي خلقنا من ترابها وترعرعنا فيها، ومهما رأينا وأحببنا من البلدان التي هاجرنا إليها، إنّه حب تناقلناه من الأجداد للآباء فاستقر في قلوبنا وكبر.
إن إرتباط الإنسان بوطنه وبلده مسألة متأصلة في النفس فهو مسقط الرأس ومستقر الحياة ومكان الشرف والعرض، على أرضه نحيا ومن خيراته نعيش ومن مائه نرتوي وكرامتنا من كرامته وعزتنا من عزته به نعرف وإليه ننتمي، الوطن نعمة من الله على الفرد والمجتمع، ومحبة الوطن طبيعة طبع الله النفوس عليها.
فالرسول صلى الله عليه وسلم، المثل الأعلى عندما هاجر من مكة إلى المدينة مخاطبا وطنه “مكة” التي نشأ فيها: “والله إنك أحب أرض الله إلى نفسي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت”.
هكذا كان الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام يحب وطنه، إن أغلى ما يملك المرء الدين والوطن وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه لأنه منبع ذكرياته وموطن آباءه وأجداده.
ففي طريقه إلى المدينة صلى الله عليه وسلم، إشتد شوقه إلى مكة فدعا الله، فأنزل الله عليه قوله تعالى: (إن الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ۚ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاءَ بِالْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ. القصص (85) أي لرادك إلى مكة وطنك الأصلي، وعندما وصل إلى المدينة واستوطنها كان يدعو الله أن يرزقه حبها كما أحب مكة قائلا: “اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد”.
فالرسول صلى الله عليه وسلم، علمنا وغرس في قلوبنا قيم الإنتماء للوطن والإعتزاز به والدفاع عنه، وقد بلغ إهتمام الإسلام بحب الوطن أن جعله فوق النفس والمال والأهل، حيث قال عليه الصلاة والسلام: “من مات دون ماله فهو شهيد، ومن مات دون دمه فهو شهيد، ومن مات دون أرضه فهو شهيد”.
حب الوطن، هو ذلك المفهوم العملي الواقعي، وليس الشعارات أو مجرد لهجة أو لباس، ومن الواجب علينا تعليم أبنائنا الإنتماء للوطنية وغرس معانيها في نفوسهم منذ نعومة أضافرهم ، من خلال ربطهم بدينهم، وتنشئتهم على التمسك بالقيم الإسلامية، والربط بينها وبين هويتهم الوطنية، مع نقل المفاهيم الوطنية لهم وتعزيز الثقافة الوطنية وبث الوعي بتاريخ وطنهم، وتشجيعهم على التفاعل مع المناسبات الوطنية والمشاركة فيها بوصفها صقل للذات وتهذيب للنفس.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي