هذه ليست مجرد حرب يتم تعداد الأرقام فيها، خصوصا، ان كل الأرقام غير دقيقة، بما في ذلك أرقام الجهات الفلسطينية التي تتحدث عن 39 ألف شهيد تقريبا، و90 ألف جريح.
بين يدي ورقة بحثية نُشِرت في دورية "ذا لانست" الطبية المرموقة في 5 تموز تقول أن عدد الشهداء التي أعلنت عنه الجهات الفلسطينية بغزة أقل بفارق كبير عن العدد الحقيقي، وأن عدد الشهداء قد يصل 186 ألفا طبقا لأكثر السيناريوهات تفاؤلا، نظرا لعدد كبير من العوامل التي تسهم في تعاظم أعداد الشهداء داخل القطاع، وهذا الرقم المذهل يعود إلى 3 أسباب.
الأول أن 35 بالمائة من منازل القطاع تم هدمها كليا، ولم يتم رفع انقاضها وتحت الانقاض عشرات آلاف الفلسطينيين، الذين لم يتم تعدادهم، حيث يشير مكتب الأمم المتحدة في جنيف في تقرير له صدر في أيار أن الشهداء الموجودين تحت الانقاض يقدر بـ10 آلاف شهيد.
الثاني أشارت إليه منظمة "إيروورا" غير الحكومية والمشاركة في الورقة البحثية إلى أن عدد الشهداء المرصود من قبل الجهات الفلسطينية أقل من العدد الحقيقي، فخلال رصد هذه المنظمة لحوادث القتل، وجد القائمون عليها أن عددا من الشهداء الذين تم التعرف عليهم غير مرصودين في التقارير، بسبب عدم القدرة على الوصول لكل المواقع، وحالة الحرب.
الثالث وهو الأخطر يتعلق بكون الوفيات الناتجة عن الحروب لا تتوقف على عدد القتلى جراء القصف والاقتتال، حيث للحروب تداعيات صحية غير مباشرة تسبب مزيدا من الوفيات خلال أعوام متتالية بعد توقفها، مع انتشار الأمراض المعدية والقاتلة، مثل السل والملاريا، إلى جانب التهاب الكبد الفيروسي والأمراض التنفسية التي رصدت بالفعل في قطاع غزة، وتأثيرات أمراض القلب والسكري والسرطان القاتلة أيضا، وغياب الماء النظيف، وندرة الطعام، بما يعني أن عدد الشهداء الإجمالي الناجم عن عمليات القصف اليومية، والناتج أيضا عن تداعيات الحرب الصحية بشكل لاحق عدد كبير جدا، وهذا يعني ان التعداد اليومي ليس كافيا أبدا.
تشير الورقة البحثية عدد الشهداء إلى أن عدد الشهداء سيصل إلى نحو 186 ألفا، وذلك باحتساب أن كل حالة وفاة مباشرة جراء الحرب ستكون في مقابلها 4 حالات وفاة بطريقة غير مباشرة، وفقا لمقارنات مع حروب ثانية، وتشير هذا الورقة إلى أن الحرب على قطاع غزة ستؤدي إلى فقد نحو 8 % من أهلها، طبقا لعدد السكان البالغ نحو 2.2 مليون.
كل التوصيفات اللغوية لم تعد كافية لوصف ما تفعله إسرائيل من وصف الحرب بجريمة الإبادة الجماعية، إلى المجزرة، مرورا بالمذابح الدموية وغير ذلك، لاننا أمام أبشع حرب بلا قواعد اخلاقية منذ أن نشأت الخليقة وليس أدل عليها من الإعدامات الميدانية لكبار السن، وقتل الأطفال، وتجويعهم، وغياب الأدوية والعلاج، وكل هذا يجري في الوقت الذي تدعي فيه إسرائيل انها تحارب فصائل مقاومة، لكنها علنا تقدم الادلة على انها تذبح شعبا كاملا، دون أن يتحرك أحد لوقفها أو منعها، أو لمعاقبتها، وربما يمنحها كثيرون الوقت لإكمال مهماتها.
ما يمكن قوله هنا يتعلق بأمرين، الأول ان إسرائيل إذا اوقفت الحرب فستضع سكان القطاع أمام حرب من نوع ثان، حين تنعدم كل أسس الحياة في القطاع، بحيث يموت الغزيون بشكل بطيء متواصل، استمرارا للحرب ذاتها، والثاني ان ما تريده إسرائيل إستراتيجيا هو دفع الغزيين للهجرة أو الخروج من القطاع بأي وسيلة كانت، خصوصا، إذا لاحظنا لاحقا أي عروض دولية لتسهيل خروجهم وهجرتهم في سياقات إعادة رسم الديموغرافيا الفلسطينية في كل فلسطين.
والحرب ما تزال متواصلة، بما يعني ان كل التقديرات السابقة، سوف ترتفع أكثر.