اعتاد الأردنيون أن يعيشوا تفاصيل ظروف الآخر حدّ نسيان الذات، فلم يكد فرحنا يبدأ حتى ينتهي تعايشا مع ظرف دولة شقيقة، وربما لقدرنا الجغرافي الأثر الأكبر على ذلك، فنحن البلد الذي يعيش وسط منطقة مضطربة أمنيا وسياسيا وحتى اجتماعيا، فكانت أبوابنا دوما مشرعة لإغاثة كل باحث عن الأمن والسلام.
وجاءت الحرب على أهلنا في غزة لتعمّق فينا الألم على الأشقاء، وتعكس بنتائجها وبشكل مباشر على حياتنا اليومية، وعلى كافة القطاعات، وبات الفرح يخجل أن يطرق بابنا، وباتت نفوسنا تأبى استقباله، لتغدو أيامنا وأكاد أجزم نحن دون شعوب المعمورة، تخيّم عليها حالة من الحزن العميق، والتفاعل مع الأهل في غزة بكل ما يعيشون من أحزان انهتهم وأنهكت مشاعرنا وفرحنا، على الرغم من أن الأردن لم يقف للحظة عن مد يد العون والمساعدة للأهل في غزة، فكان مبادرا وما يزال على كافة الأصعدة السياسية والدبلوماسية والإنسانية والإغاثية.
وفي ظل هذه الحرب المدمّرة، سؤال يفرض نفسه في كل لحظة وكل دقيقة تمر علينا، يتساءل به كثيرون «هل نفرح؟» عمليا وفي ظل حرب تجاوزت بعمرها العشرة أشهر، والأهل في غزة يعيشون أبشع وأقسى ما شهدته البشرية من حرب صادرت منهم كلّ شيء، كل مقومات للحياة، وأبقت لهم حزنا وألما وأوجاعا وجوعا، لنقف على حافة الفرح نتساءل هل نفرح؟ هل يحق لنا الفرح؟ هل تسامحنا الإنسانية إن فرحنا؟ كثيرة هي الأسئلة، بذات المعنى وإن تعددت مفرداتها، والتي حتما الإجابة عليها أيضا تحمل نفس المعنى بأن هذه الأرض عليها ما يستحق الحياة.. وهذه الأيام بها ما يستحق الفرح، والعيش على أمل بأن تتبّدل الآلام بآمال للأفضل.
لم يقصّر الأردن حيال أهلنا في غزة، بل كان أول من وقف معهم، وأول من جاهر برأيه فيما يحدث، وأول من طالب بوقف نهائي لإطلاق وضمان إيصال مستمر ودائم للمساعدات، لم يقف على حافة القرارات، إنما كان دائما واضحا بأنه مع الأهل في غزة، فعلا لا قولا، ما يجعل من فرض حالة مصادرة الفرح، من تفاصيل حياتنا ولو بحدّه الأدنى، أمرا غير منطقي وغير مقبول، ففي العيش الطبيعي وممارسة عيشنا بشكله الطبيعي أمر مشروع جدا، بل ومطلوب سيما وأن في قوّة الأردن وعيشه الطبيعي قوّة لغزة بحرفيّة المعنى.
قول واحد، لكل باحث عن إجابة لتساؤلات شرعية فرحنا، نعم يحق لنا أن نفرح وأن نعيش بشكل طبيعي نمارس أعمالنا وننظم فعاليات اعتدنا على تنظيمها، ونحقق إنجازات اعتاد الأردن على تحقيقها، ونطوّر ونسعى للتنمية والنمو الاقتصادي، وكل هذا لا يعني أننا لا نرى غزة ولا نعيش حزنها، ولا ندرك فاجعتها، ولا نبكي ألمها، لكن في عملنا وتدوير عجلة حياتنا الطبيعية ولو بالحد الأدنى، ليس خيانة مطلقا لحزن غزة ووجعها، ولمن يسأل «هل نفرح؟» نعم لنفرح بعيشنا الطبيعي فنحن وكما أسلفت لم نأخذ يوما من الفرح أعلى درجاته، وطالما عاش الأردنيون وجع غيرهم وألمه، وطالما وقفنا على أعتاب الفرح حتى لا نخدش دموع الغير، ما يجعل من فرحنا اليوم المقيّد بتضامننا المطلق مع أهلنا في غزة، حقا مشروعا وأعني هنا بالفرح أن نعيش بشكل نكمل به حياتنا بتفاصيلها المعتادة لا نلغي شيئا أو نؤجل آخر، بل نمضي في دربنا الذي نسير به ففي إيقاف الحياة الطبيعية لنا أكبر ظلم لواقعنا ويومنا ومستقبلنا.